كذلك أخذ الله تعالى الميثاق على العلماء قال سبحانه : لتبيننه للناس ولا تكتمونه واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت إنك آنست وحشة الظالم وسهلت سبيل الغي بدونك ممن لم يؤد حقا ولم يترك باطلا حين أدناك إتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم يدخلون الشك بك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك وما أكثر منك فيما أفسدوا عليك من دينك فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا فإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل فدا ودينك فقد دخله سقم وهيء زادك فقد حضر السفر البعيد وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء والسلام .
وعن الأوزاعي ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور عاملا وعن محمد بن سلمة : الذباب على العذرة أحسن من قاريء على باب هؤلاء وفي الخبر من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله تعالى في أرضه ولعمري إن الآية أبلغ شيء في التحذير عن الظلمة والظلم ولذا قال الحسن : جمع الدين في لاءين يعني لاتطغوا ولا تركنوا ويحكى أن الموفق أبا أحمد طلحة العباسي صلى خلف الإمام فقرأ هذه الآية فغشي عليه فلما أفاق قيل له فقال : هذا فيمن ركن إلى من ظلم فكيف الظالم .
هذا وخطاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بهذين النهيين بعد الأمر بالإستقامة للتثبيت عليها وقد تجعل تأكيدا لذلك إذا كان المراد به الدوام والثبات وعن أبي عمرو أنه قرأ تركنوا بكسر التاء على لغة تميم .
وقرأ قتادة وطلحة والأشهب ورويت عن أبي عمرو تركنوا بضم الكاف مضارع ركن بفتحها وهي على ما في البحر لغة قيس وتميم .
وقال الكسائي : إنها لغة أهل نجد وشذ تركن بالفتح مضارع ركن كذلك وقرأ ابن أبي عبلة ولا تركنوا مبنيا للمفعول من أركنه إذا أماله وقراءة الجمهور تركنوا بفتح الكاف والماضي ركن بكسرها وهي لغة قريش وهي الفصحى على ما قال الأزهري وقرأ ابن وثاب وعلقمة والأعمش وابن مصرف وحمزة فيما يروى عنه فتمسكم بكسر التاء على لغة تميم أيضا وما لكم من دون الله من أولياء من أنصار يمنعون العذاب عنكم والمراد نفى أن يكون لكل نصير والمقام قرينة على ذلك والجملة في موضع الحال من ضمير تمسكم ثم لا تنصرون .
113 .
- من جهته تعالى إذ قد سبق في حكمه تعالى أن يعذبكم بركونكم إليهم ولا يبقي عليكم و ثم قيل : لإستبعاد نصره سبحانه إياهم وقد أوعدهم العذاب على ذلك وأوجبه لهم وتعقب بأن أثر الحرف إنما هو مدخوله ومدخول ثم عدم النصرة وليس بمستعبد وإنما المستبعد نصر الله تعالى لهم فالظاهر أنها للتراخي في الرتبة لأن عدم نصر الله تعالى أشد وأفظع من عدم نصرة غيره وأجيب بما لا يخلو عن تكلف وأيا ما كان فالمقام مقام الواو إلا أنه عدل عنها لما ذكر .
وجوز القاضي أن تكون منزلة منزلة الفاء بمعنى الإستبعاد فإنه سبحانه لما بين أنه معذبهم وأن أحدا لا يقدر على نصرهم أنتج ذلك أنهم لا ينصرون أصلا ووجه ذلك بأنه كان الظاهر أن يؤتى بالفاء التفريعية المقارنة