لأن الله تعالى ناظر لأعمالكم فيجازيكم عليها وقيل : إنه تتميم للأمر بالإستقامة والأول أحسن وأتم فائدة وقرأ الحسن والأعمش يعملون بياء الغيبة وروي ذلك عن عيسى الثقفي أيضا وفي الآية على ما قال غير واحد دليل على وجوب إتباع المنصوص عليه من غير إنحراف بمجرد التشهي وإعمال العقل الصرف فإن ذلك طغيان وضلال وأما العمل بمقتضى الإجتهاد التابع لعلل النصوص فذلك من باب الإستقامة كما أمر على موجب النصوص الآمرة بالإجتهاد وقال الإمام : وعندي لا يجوز تخصيص النص بالقياس لأنه لما دل عموم النص على حكم وجب الحكم بمقتضاه لقوله تعالى : فاستقم كما أمرت والعمل بالقياس إنحراف عنه ولذا لما ورد القرآن بالأمر بالوضوء وجيء بالأعضاء مرتبة في اللفظ وجب الترتيب فيها ولما ورد الأمر في الزكاة بأداء الإبل من الإبل والبقر من البقر وجب إعتبارها وكذا القول في كل ما ورد أمر الله تعالى به كل ذلك للأمر بالإستقامة كما أمر إنتهى .
وأنت تعلم أن إيجاب الترتيب في الوضوء لذلك ليس بشيء ويلزمه أن يوجب الترتيب في الأوامر المتعاطفة بالواو مثل أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وكذا في نحو واستعينوا بالصبر والصلاة بعين ما ذكر في الوضوء وهو كما ترى وكأنه عفا الله تعالى عنه يجزم بأن الحنفية الذين لا يوجبون الترتيب في أعمال الوضوء طاغون خارجون عما حد الله تعالى لا احتمال للقول بأنهم مستقيمون وهو من الظلم بمكان ولا تركنوا إلى الذين ظلموا أي لا تميلوا أدنى ميل والمراد بهم المشركون كما روى ذلك ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفسر الميل بميل القلب إليهم بالمحبة وقد يفسر بما هو أعم من ذلك كما يفسر الذين ظلموا بمن وجد منه ما يسمى ظلما مطلقا قيل : ولإرادة ذلك لم يقل إلى الظالمين ويشمل النهي حينئذ مداهنتهم وترك التغيير عليهم مع القدرة والتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم ومجالستهم من غير داع شرعي وكذا القيام لهم ونحو ذلك ومدار النهي على الظلم والجمع بإعتبار جمعية المخاطبين وقيل : إن ذلك للمبالغة في النهي من حيث أن كونهم جماعة مظنة الرخصة في مداهنتهم مثلا وتعقب بأنه إنما يتم أن لو كان المراد النهي عن الركون إليهم من حيث أنهم جماعة وليس فليس فتمسكم أي فتصيبكم بسبب ذلك كما تؤذن به الفاء الواقعة في جواب النهي النار وهي نار جهنم وإلى التفسير الثاني وما أصعبه على الناس اليوم في غالب الأعاصير من تفسير ذهب أكثر المفسرين قالوا : وإذا كان حال الميل في الجملة إلى من وجد منه ظلم ما في الأفضاء إلى مساس الناس النار فما ظنك بمن يميل إلى الراسخين في الظلم كل الميل ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتهم ويتعب قلبه وقالبه في إدخال السرور عليهم ويستنهض الرجل والخيل في جلب المنافع إليهم ويبتهج بالتزيي بزيهم والمشاركة لهم في غيهم ويمد عينه إلى ما متعوا به زهرة الدنيا الفانية ويغبطهم بما أوتوا من القطوف الدانية غافلا عن حقيقة ذلك ذاهلا على منتهى ما هنالك وينبغي أن يعد مثل ذلك من الذين ظلموا لا من الراكنين إليهم بناءا على ما روي أن رجلا قال لسفيان : إني أخيط للظلمة فهل أعدمن أعوانهم فقال له : لا أنت منهم والذي يبيعك الإبرة من أعوانهم وما أحسن ما كتبه بعض الناصحين للزهري حين خالط السلاطين وهو عافانا الله تعالى وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعوك الله تعالى ويرحمك أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله تعالى بما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم وليس