حتى إذا لقي الله تعالى في يوم الجزاء ربما نصب من السؤال عنها فذكر القيامة في تلك السور يخوفه هولها لإحتمال تفريطه فيما أرشده الله تعالى له في هذه وهذا لا ينافي عصمته E وقربه لكونه الأعلم بالله تعالى والأخوف منه فالخوف منها يذكره بما تضمنته هذه السورة فكأنها هي المشيبة له صلى الله عليه وسلّم من بينها ولذا بدأ بها في جميع الروايات ولما كانت تلك الآية فذلكة لها كانت هي المشيبة في الحقيقة فلا منافاة بين نسبة التشييب لتلك السور ولا لهذه السورة وحدها كما فعله من فعله ولا لتلك الآية كما وقع في تلك الرؤيا إنتهى وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه آخر لنسبة التشييب لهذه السورة فليتأمل وذهب بعض المحققين إلى كون الكاف في كما بمعنى على كما في قولهم : كن كما أنت عليه أي على ما أنت عليه ومن هنا قال ابن عطية وجماعة : المعنى إستقم على القرآن وقال مقاتل : إمض على التوحيد وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : إستقم على الأخبار عن الله تعالى بصحة العزم والأظهر إبقاء ما على العموم أي إستقم على جميع ما أمرت به والكلام في حذف مثل هذا الضمير أمر شائع وقد مر التنبيه عليه وما بعضهم إلى كون الكاف للتشبيه حسبما هو الظاهر منها إلا أنه قال : إنها في حكم مثل في قولهم : مثلك لا يبخل فكأنه قيل : إستقم الإستقامة التي أمرت بها فرارا من تشبيه الشيء بنفسه ولا يخفى أنه ليس بلازم ومن الغريب ما نقل عن أبي حيان أنه قال في تذكرته : فإن قلت : كيف جاء هذا التشبيه للإستقامة بالأمر قلت : هو على حذف مضاف تقديره مثل مطلوب الأمر أي مدلوله فإن قلت : الإستقامة المأمور بها هي مطلوب الأمر فكيف يكون مثلا لها قلت : مطلوب الأمر كلي والمأمور جزئي فحصلت المغايرة وصح التشبيه كقولك : صل ركعتين كما أمرت وأبعد بعضهم فجعل الكاف بمعنى على واستفعل للطلب كإستغفر الله تعالى أي أطلب الغفران منه وقال : المعنى أطلب الإقامة على الدين .
ومن تاب معك أي تاب من الشرك وآمن معك فالمعية بإعتبار اللازم من غير نظر إلى ما تقدمه وغيره وقد يقال : يكفي الإشتراك في التوبة والمعية فيها مع قطع النظر على المثوب عنه وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم يستغفر الله تعالى في اليوم أكثر من سبعين مرة واستظهر ذلك الجلبي و من على ما اختاره أبو حيان وجماعة عطف على الضمير المستكن في واستقم وأغنى الفصل بالجار والمجرور عن تأكيده بضمير منفصل لحصول الغرض به وفي الكلام تغليب لحكم الخطاب على الغيبة في لفظ الأمر واختار كثير أنه فاعل لفعل محذوف وليستقم من إلخ لأن الأمر لا يرفع الظاهر وحينئذ فالجملة معطوفة على الجملة الأولى ومن ذهب إلى الأول رجحه بعدم إحتياجه إلى التقدير ودفع المحذور بأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع .
وجوز أبو البقاء كونه منصوبا على أنه مفعول معه والمعنى إستقم مصاحبا لمن تاب قيل : وهو في المعنى أتم وإن كان في اللفظ نوع نبوة عنه .
وقيل : إنه مبتدأ والخبر محذوف أي فليستقم وجوز كون الخبر معك ولا تطغوا أي لا تنحرفوا عما حد لكم بإفراط أو تفريط فإن كلا طرفي قصد الأمور ذميم وسمي ذلك طغيانا وهو مجاوزة الحد تغليظا أو تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله صلى الله تعالى عليه وسلم وعن ابن عباس أن المعنى لا تطغوا في القرآن فتحلوا وتحرموا ما لم تؤمروا به .
وقال ابن زيد : لا تعصوا ربكم وقال مقاتل : لا تخلطوا التوحيد بالشرك ولعل الأول أولى .
إنه بما تعملون بصير .
112 .
- فيجازيكم على ذلك وهو تعليل للأمر والنهي السابقين كأنه قيل : إستقيموا ولا تطغوا