وقرأ ابن هرمز تعلمون على الإلتفات من الغيبة إلى الخطاب فاستقم كما أمرت لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة وأطنب سبحانه في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم بالإستقامة مثل الإستقامة التي أمر بها وهذا يقتضي أمره A بوحي آخر ولو غير متلو كما قاله غير واحد والظاهر أن هذا أمر بالدوام على الإستقامة وهي لزوم المنهج المستقيم وهو المتوسط بين الإفراط والتفريط وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق فتشمل العقائد والأعمال المشتركة بينه A وبين سائر المؤمنين والأمور الخاصة به E من تبليغ الأحكام والقيام بوظائف النبوة وتحمل أعباء الرسالة وغير ذلك وقد قالوا : إن التوسط بين الإفراط والتفريط بحيث لا يكون ميل إلى أحد الجانبين قيد عرض شعرة مما لا يحصل إلا بالإفتقار إلى الله تعالى ونفي الحول والقوة بالكلية ومثلوا الأمر المتوسط بين ذينك الطرفين بخط يكون بين الشمس والظل ليس بشمس ولا ظل بل هو أمر فاصل بينهما ولعمري إن ذلك لدقيق ولهذا قالوا : لا يطيق الإستقامة إلا من أيد بالمشاهدات القوية والأنوار السنية ثم عصم بالتشبث بالحق ولو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وجعل بعض العارفين الصراط الذي هو أدق من الشعرة وأحد من السيف إشارة إلى هذا المنهج المتوسط ومما يدل على شدة هذا الأمر ما أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال : لما نزلت هذه الآية قال صلى الله تعالى عليه وسلم : شمروا شمروا وما رؤي بعدها ضاحكا .
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم آية أشد من هذه الآية ولا أشق واستدل بعض المفسرين على عسر الإستقامة بما شاع من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : شيبتني هود وأنت تعلم أن الأخبار متضافرة بضم سور أخرى إليها وإن إختلفت في تعيين المضموم كما مر أول السورة وحينئذ لا يخفى ما في الإستدلال من الخفاء ومن هنا قال صاحب الكشف : التخصيص بهود لهذه الآية غير لائح إذ ليس في الأخوات ذكر الإستقامة .
وذكر في قوت القلوب أنه لما كان القريب الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم شبيه ذكر البعد وأهله ثم قال : ولعل الأظهر أنه E شبيه ذكر أهوال القيامة وكأنه بأبي هو وأمي شاهد منه يوما يجعل الوالدان شيبا إنتهى .
وبعضهم للتخصيص برؤيا أبي علي الشتري السابقة وفيه بعد تسليم صحة الرواية إن رؤيا النبي A وإن كانت حقا حيث أن الشيطان لا يتمثل به E إلا أنه من أين يجزم بضبط الرائي وتحقيقه ما رأى على أن مما يوهن أمر هذه الرؤيا ويقوي ظن عدم ثبوتها ما أخرجه ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله A قال : شيبتني هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبلي وذكر الشهاب ما يقوي إعتراض صاحب الكشف من أنه ليس في الطرق المروية في هذا الباب الإقتصار على هود بل ذكر معها أخواتها وليس فيها الأمر المذكور مع أنه وقع في غيرها من آل حميم ثم ذكر أنه لاح له ما يدفع الإشكال وذلك أن مبنى هذه السورة الكريمة على إرشاده تعالى شأنه نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى كيفية الدعوة من مفتتحها إلى مختتمها وإلى ما يعتري من تصدى لهذه المرتبة السنية من الشدائد واحتماله لما يترتب عليه من الفوائد لا على التسلية إذ لا يطابق المقام حسبما تقدم لك عن صاحب الكشف ولما كانت هذه السورة جامعة لإرشاده من أول أمره إلى آخرخ وهذه الآية فذلكة لها فحينما نزلت هذه السورة هاله ما فيها من الشدائد وخاف من عدم القيام بأعبائها