كونهم فيها وهو زمان موقف الحساب واعترض بأن عصاة المؤمنين الداخلين النار إما سعداء فيلزم أن يخلدوا في الجنة فيما سوى الزمان المستثنى وليس كذلك أو أشقياء فيلزم أن يخلدوا في النار وهو خلاف مذهب أهل السنة وأيضا تأخره عن الحال ولا مدخل لها الإستثناء لا يفصح والإبهام بقوله سبحانه : إلا ما شاء ربك والتفخيم الذي يعطيه لا يبقى له رونق وأجيب بأنه قد يقال : إن القائل بذلك يخص الأشقياء بالكفار والسعداء بالأتقياء ويكون العصاة مسكوتا عنهم هنا فلا يرد عليه شيء إن كان سنيا وإن كان معتزليا فقد وافق سنن طبعه ويجاب عما بعد بالمنع وقيل : أمر الإستثناء ما علمت إلا أن المستثنى مدة لبثهم في الدنيا أو البرزخ ويقطع النظر عن يوم يأتي والمعنى أنهم في النار جميع أزمان وجودهم إلا زمانا شاء الله تعالى لبثهم في الدنيا أو البرزخ والمراد مع زمان الموقف إذ ليسوا في زمانه أيضا في النار إلا أن يراد بالنار العذاب فلا يحتاج للمعية لكن يرد أنهم معذبون في البرزخ أيضا إلا أن يقال : لا يعتد بذلك لأنه عذاب غير تام لعدم تمام حياتهم فيه وأورد عليه ما أورد على ما قبله وأجيب بأنه إنما لو كان المستثنى في الإستثناء الثاني هو ذلك الزمان المستثنى في الإستثناء الأول وهو غير مسلم فليكن المستثنى منه ومان لبثهم في النار مع ذلك الزمان المستثنى في الآية الأولى فإن المستثنى ليس فيه ما يدل على تعيين زمان حتى لا يمكن الزيادة عليه وهو كما ترى .
وقيل : هو استثناء من قوله سبحانه : لهم فيها زفير وشهيق ورد بأن المقابل لا يجري فيه هذا ويبقى الإشكال وأجيب بأن المراد ذكر ما تحتمله الآية والأطراد ليس بلازم وتعقب بأنه ليس المراد إلا بيان ضعف هذا الوجه وكفى بعدم الإطراد ضعفا وقيل : إلا بمعنى سوى كقولك : لك علي ألفان إلا الألف التي كانت يعني سواها ونقل ذلك عن الزجاج والفراء والسجاوندي والمعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها على مدة بقاء السموات والأرض والإستثناء في ذلك منقطع ويحتمل أن يريدوا أن إلا بمعنى غير صفة لما قبلها والمعنى يخلدون فيها مقدار مدة السموات والأرض سوى ما شاء الله تعالى مما لا يتناهى وضعف هذا القيل بأنه يلزم حمل السموات والأرض على هذين الجسمين المعروفين من غير نظر إلى معنى التأييد وهو فاسد وقيل : إلا بمعنى الواو أي وما شاء ربك زائدا على ذلك واستشهد على مجيئها بمعنى الواو بقوله : وكل أخر مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان وفيه أن هذا القول مردود عند النحاة وقال العلامة الطيبي : الحق الذي لا محيد عنه أن يحمل ما على من إرادة الوصفية وهي المرحومية و خالدين حال مقدرة من ضمير الإستقرار أي في النار والمعنى وأما الذين شقوا ففي النار مقدرين الخلود إلا المرحوم الذي شاء الله تعالى أن لا يستقر مخلدا فيفيد أن لا يستقر فيها مطلقا أو يستقر غير مخلد وأحوال العصاة على هذا النهج كما علم من النصوص وفي ذلك إيذان بأن إخراجهم بمحض رحمة الله تعالى فينطبق عليه قوله سبحانه : إن ربك فعال لما يريد .
107 .
- وتعقب بأنه لا يجزي في المقابل إلا بتأويل الإمام وقد مر ما فيه أو بجعله من أصل الحكم ويقتضي أن لا يدخلوا أصلا وإذا أول بمقدرين فلو جعل إستثناء من مقدرين لم يتجه ومن قوله تعالى : في النار فلا يكون لهم دخولا أصلا ودلالة ما لإبهامها إما على التفخيم أو التحقير ولا يطابق المقام وقيل : وقيل والأوجه أن يقال : إن الإستثناء في الموضعين مبني على الفرض والتقدير فمعنى إلا ما شاء الله إن شاء أي لو فرض أن الله تعالى شاء إخراجهم من النار أو الجنة في زمان لكان مستثنى من مدة خلودهم لكن ذلك لا يقع لدلالة القواطع على عدم وقوعه