وهذا كما قال الطيبي من أسلوب حتى يلج الجمل في سم الخياط ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى وذكر أنه وقف على نص من قبل الزجاج يوافق ذلك .
1 - وفي المعالم عن الفراء أيضا ما يوافقه حيث نقله عنه أنه قال : هذا إستثناء إستثناه سبحانه ولا يفعله كقولك : والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزيمتك أن تضربه وحذر القذة بالقذة ما نقله قبل عن بعضهم أن المعنى لو شاء لأخرجهم لكنه لا يشاء لأنه سبحانه حكم لهم بالخلود .
وفي البحر عن ابن عطية نقلا عن بعض ما هو بمعناه أيضا حيث قال : وأما قوله تعالى : إلا ما شاء ربك فقيل فيه : إنه على طريق الإستثناء الذي ندب الشرع إلى إستعماله في كل كلام فهو على نحو قوله جل وعلا : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين إستثناء في واجب وهذا الإستثناء في حكم الشرط كأنه قيل : إن شاء ربك فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع وممن ذهب إلى ذلك أيضا الفاضل ميرزاجان الشيرازي في تعليقاته على تفسير القاضي ونص على أنه من قبيل التعليق بالمحال حتى يثبت محالية المعلق ويكون كدعوى الشيء مع بينة وهو أحد الأوجه التي ذكرها السيد المرتضى في درره وتفسير الإستثناء الأول بالشرط أخرجه ابن مردوية عن جابر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما ذكر ذلك الجلال السيوطي في الدر المنثور ولعل النكتة في هذا الإستثناء على ما قيل : إرشاد العباد إلى تفويض الأمور إليه جل شأنه وإعلامهم بأنها منوطة بمشيئته جل وعلا يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا حق لأحد عليه ولا يجب عليه شيء كما قال تبارك وتعالى إن ربك فعال لما يريد .
وذكر بعض الأفاضل أن فائدته دفع توهم كون الخلود أمرا واجبا عليه تعالى لا يمكن له سبحانه نقضه كما ذهب إليه المعتزلة حيث أخبر به جل وعلا مؤكدا والمراد - بالذين شقوا - على هذا الوجه الكفار فقط فإنهم الأحقاء بهذا الاسم على الحقيقة - وبالذين سعدوا - المؤمنون كافة مطيعهم وعاصيهم فيكون التقسيم في قوله سبحانه فمنهم شقي وسعيد للانفصال الحقيقي ولا ينافيه قوله تعالى ففي الجنة لأنه يصدق بالدخول في الجنة .
وفي الكشف بعد نقل أن الاستثناء من باب حتى يلج الجمل فإن قلت فقد حصل معنى الزمخشري من خلود الفساق قلت لا كذلك لأنهم داخلون في السعداء والآية تقتضي خلود السعيد وذلك بعد دخوله فيها لا محالة ولا تنفي كينونته في النار قبل دخوله في الجنة فإن اللفظ لا يقتضي أن يدخلوا - أعني السعداء - كلهم في الجنة معا كيف والقاطع يدل على دخولهم أولا فأولا على حسب مراتبهم انتهى فتأمل فإن الآية من المعضلات .
وإنما لم يضمر في إن ربك الخ كما هو الظاهر لتربية المهابة وزيادة التقرير واللام في لما قيل للتقوية أي فعال ما يريده سبحانه لا يتعاصى عليه شيء بوجه من الوجوه .
وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك الكلام فيه ما علمت خلا أنه لم يذكر ها هنا أن لهم بهجة وسرورا كما ذكر في أهل النار لهم فيها زفير وشهيق لأن المقام مقام التحذير والإنذار وسعدوا بالبناء للمفعول قرءاة حمزة والكسائي وحفص ونسبت إلى ابن مسعود وطلحة بن مصرف وابن وثاب والأعمش وقرأ جمهور السبعة سعدوا بالبناء للفاعل واختار ذلك على ابن سليمان وكان يقول عجبا من الكسائي كيف قرأ سعدوا مع علمه بالعربية وهذا عجيب منه فإنه ما قرأ