الأرض والسموات وقوله سبحانه : وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء يخلقها الله تعالى أو يظلهم العرش وكل ما أظلك فهو سماء إنتهى .
قال القاضي : وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما عرفه بما يدل على دواب الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه وأجاب عنه صاحب الكشف بأنه إذا أريد ما يظلهم وما يقلهم فهو ظاهر السقوط لأن هذا القدر معلوم الوجود لكل عاقل وأما الدوام فليس مستفادا من دليل دوام الثواب والعقاب بل مما يدل على دوام الجنة والنار سواء عرف أنهما دار الثواب والعقاب وأن أهلهما السعداء والأشقياء من الناس أولا على أنه ليس من تشبيه ما يعرف بما لا يعرف بل العكس إنتهى وتعقبه الجلبي بأن قوله : لكل عاقل غير صحيح فإنه لا يعترف بذلك إلا المؤمنون بالآخرة وقوله : الدوام مستفاد مما يدل على دوام الجنة والنار لا يدفع ما ذكره القاضي لأنه يريد أن المشبه به ليس أعرف من المشبه لا عند المتدين لأنه يعرف كليهما من قبل الأنبياء عليهما السلام وليس فيه ما يوجب أعرفية دوام سموات الآخرة وأرضها وليس مراده أن دوامهما مستفاد من خصوص الدليل الدال على الثواب والعقاب بعينه فإنه لا يهمه ليمنع ولا عند غير المتدين فإنه لا يعترف به ولا بها ولا يعرفه وقوله : على أنه ليس من تشبيه إلخ مبني على أنه تشبيه تلك الدار بهذه الدار وليس بذلك وإنما المراد التشبيه الضمني لدوامهم بدوامهما إنتهى وفيه بحث .
والحق أن صحة إرادة ذلك مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان وفي الأخبار عن ابن عباس والحسن والسدي وغيرهم ما يقتضيه ومن تأمل منصفا بعد تسليم أن هناك تشبيها يظهر له أن المشبه به أعرف من المشبه وأقرب إلى الذهن واتحاد طريق العلم بهما لا يضر في ذلك شيئا بداهة أن ثبوت الحيز أعرف وأقرب إلى الذهن من ثبوت ما تحيز فيه وإن وردا من طريق السمع كما لا يخفى على أن إشتراط كون المشبه به أعرف في كل تشبيه غير مسلم عند الناظر في المعاني نعم المتبادر من السموات والأرض هذه الأجرام المعهودة عندنا فالأولى أن تبقى على ظاهرها ويجعل الكلام خارجا مخرج ما اعتادته العرب في محاوراتهم عند إرادة التبعيد والتأييد وهو أكثر من أن يحصى ولعل هذا أولى أيضا مما في تفسير ابن كثير من حمل السموات والأرض على الجنس الشامل لما في الدنيا والآخرة أي المظل والمقل في كل دار وفي الدرر أنه يمكن أن يكون المراد أنهم خالدون بمقدار مدة بقاء السموات والأرض التي يعلم إنقطاعها ثم يزيدهم سبحانه على ذلك ويخلدهم ويؤبد مقامهم ولعله أراد مدة بقائهما منذ خلقهما الله تعالى إلى أن يبدلهما لا مدة بقائهما بعد دخولهم النار يوم القيامة لأنهما يبدلان قبل دخولهم والآية على هذا من قبيل قوله سبحانه : لا بثين فيها أحقابا إلا ما شاء الله قيل : هو إستثناء من الضمير المستكن في خالدين وتكون ما واقعة على نوع من يعقل كما في قوله سبحانه : فانكحوا ما طاب لكم من النساء أو واقعة على من يعقل على مذهب من يرى وقوعها عليه مطلقا .
والمراد بمن شاء فساق الموحدين فإنهم يخرجون منها كما نطقت به الأخبار وذلك كاف في صحة الإستثناء لأن زوال الحكم عن الكل يكفيه زواله عن البعض وهم المراد بالإستثناء الثاني فإنهم مفارقون عن الجنة أيام عذابهم والتأبيد من مبدأ معين ينتقض بإعتبار الإبتداء كما ينتقض باعتبار الإنتهاء ألا ترى أنك إذا قلت : مكثت يوم الخميس في البستان إلا ثلاث ساعات جاز أن يكون ذلك الزمان الواقع فيه عدم المكث من أوله ومن آخره وهؤلاء وإن شقوا بعصيانهم فقد سعدوا بإيمانهم ولا يقال : فعلى هذا لا يكون قوله سبحانه :