مؤمنين كما في قوله تعالى لنوح عليه السلام : إنه ليس من أهلك ووجه الرفع أنه على الإبتداء وما بعد الخبر والمستثنى الجملة ونظيره لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله .
واختار أبو شامة ما اخترته من أن الإستثناء منقطع لكنه قال : وجاء النصب على اللغة الحجازية والرفع على التميمية وهذا يدل على أنه جعل الإستثناء من جملة النهي وما قدمته أولى لضعف اللغة التميمية ولما قدمت من سقوط جملة النهي في قراءة عبدالله انتهى .
واستظهر ذلك الحمصي في حواشيه على التصريح واستحسنه غير واحد وقد نقل أبو حيان القول بالإنقطاع على القراءتين وتخريج النصب على اللغة الحجازية والرفع عن الأخرى ثم قال إنه كلام لا تحقيق فيه فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الإلتفات وكان المعنى لكن إمرأتك يجري عليها كذا وكذا كان من الإستثناء الذي لا يتوجه إليه العامل وهذا النوع من الإستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع العرب وإنما الخلاف في المنقطع الذي يمكن توجه العامل إليه وفيه نظر ففي التوضيح لابن مالك حق المستثنى بإلا من كلام تام موجب مفردا كان أو مكملا معنى بما بعده كقوله تعالى : إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين النصب ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين إلا النصب وقد غفلوا عن وروده مرفوعا بالإبتداء ثابت الخبر كقول أبي قتادة : أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ومحذوفه نحو لا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله وإلا في ذلك بمعنى لكن أي لكن أبو قتادة لم يحرم ولكن الله يعلم إنتهى وما نحن فيه من قبيل هذا وفي حاشيتي البدر الدماميني وتقي الدين الشمني أن الرضي قد أجاب بما يقتضي أن الإستثناء متصل ولا تناقض وذلك أنه قال : ولما تقرر أن الإتباع هو الوجه مع الشرائط المذكورة وكان أكثر القراء على النصب في ولا يلتفت إلخ تكلف الزمخشري لئلا تكون قراءة الأكثر محمولة على وجه غير مختار بما تكلف واعترضه ابن الحاجب بلزوم التناقض لأن الإستثناء من أسر بأهلك يقتضي كونها غير مسري بها ومن لا يلتفت منكم أحد يقتضي كونها مسري بها لأن الإلتفات بالإسراء والجواب أن الإسراء وإن كان مطلقا في الظاهر إلا أنه في المعنى مقيد بعدم الإلتفات فمآله أسر بأهلك إسرارءا لا إلتفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراءا مع الإلتفات فآستثن على هذا إن شئت من أسر أو لا يلتفت ولا تناقض وهذا كما تقول : إمش لا تتبختر أي امش مشيا لا تتبختر فيه فكأنه قيل : ولا يلتفت منكم أحد في الإسراء وكذا إمش ولا تتبختر في المشي فحذف الجار والمجرور للعلم به انتهى .
وأورد عليه السيد النسد في حواشيه أن الإستثناء إذا رجمع إلى القيد كان المعنى فأسر بجميع أهلك إسراءا لا إلتفات فيه إلا من مرأتك فيكون الإسراء بها داخلا في المأمور به وإذا رجمع إلى المقيد لم يكن الإسراء بها داخلا في المأمور به فيكون المحذور باقيا بحاله ولا مخلص عنه إلا بأن يقال : إن تناول العام إياها ليس قطعيا لجواز أن يكون مخصوصا فلا يلزم من رجوع الإستثناء إلى قوله تعالى : ولا يلتفت كونه عليه السلام مأمورا بالإسراء بها وحينئذ يوجه الإستثناء بما ذكر من أنها تبعتهم أو أسرى بها مع كونه غير مأمور بذلك إذ لا يلزم من عدم الأمر به النهي عنه فتأمل إنتهى .
وبحث فيه الشهاب ولم يرتض إحتمال التخصيص لما أنه لا دليل عليه ويفهم صنيعه إرتضاء كلام الرضي ثم قال : ومراده بالتقييد أنه ذكر شيآن متعاطفان فالظاهر أن المراد الجمع بينهما لا أن الجملة حالية فلا يرد