عليه أن الحمل على التقييد مع كون الواو للنسق ممنوع وكذا جعلها للحال مع لا الناهية وأيضا القراءة بإسقاطها تدل على عدم إعتبار ذلك التقييد ولا يخلو عن شيء وقد ألفت في تحقيق هذا الإستثناء عدة رسائل : منها رسالة للحمصي وأخرى للعلامة الكافيجي ألفها لبعض سلاطين آل عثمان غمرهم الله سبحانه بصنوف الفضل والإحسان حين طلب منه لبحث وقع في مجلسه ذلك وبالجملة القول بالإنقطاع أقل تكلفا فيما يظهر والقول بأنه حينئذ لا يبقى إرتباط لقوله سبحانه : إنه مصيبها ما أصابهم ناشيء عن عدم الإلتفات فلا ينبغي أن يلتفت إليه كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما تقدم نقله فتأمل وضمير إنه للشأن و ما أصابهم مبتدأ و مصيبها خبره والجملة خبر إن الذي إسمه ضمير الشأن وفي البحر إن مصيبها مبتدأ و ما أصابهم خبره والجملة خبر إن ويجوز على مذهب الكوفيين أن يكون مصيبها خبر إن و ما فاعل به لأنهم يجوزون أنه قائم أخواك ومذهب البصريين أن ضمير الشأن لا يكون خبره إلا جملة مصرحا بجزأيها فلا يجوز هذا الإعراب عندهم والأولى ما ذكر أولا والجملة إما تعليل على طريقة الإستئناف أو خبر لامرأتك على قراءة الرفع والمراد من ما العذاب ومن أصابهم يصيبهم والتعبيريه دونه للإيذان بتحقق الوقوع وفي الإبهام وأسمية الجملة والتأكيد ما لا يخفى .
إن موعدهم الصبح أي موعد عذابهم وهلاكهم ذلك وكأن هذا على ما قيل : تعليل للأمر بالإسراء واالنهي عن الإلتفات المشعر بالحث على الإسراع وقوله سبحانه : أليس الصبح بقريب .
81 .
- تأكيد للتعليل فإن قرب الصبح داع إلى الإسراع للتباعد عن مواقع العذاب وروي أنه عليه السلام سأل الملائكة عليهم السلام عن وقت هلاكهم فقالوا : موعدهم الصبح فقال : أريد أسرع من ذلك فقالوا له : أليس الصبح بقريب .
ولعله إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين .
وقرأ عيسى بن عمر الصبح بضم الباء قيل : وهي لغة فلا يكون ذلك اتباعا فلما جاء أمرنا أي عذابنا أو الأمر به فالأمر على الأول واحد الأمور وعلى الثاني واحد الأوامر قيل : ونسبة المجيء إليه بالمعنيين مجازية والمراد لما حان وقوعه ولا حاجة إلى تقدير الوقت مع دلالة عليه .
وقيل : إنه يقدر على الثاني أي جاء وقت أمرنا لأن الأمر نفسه ورد قبله ونحن في غنى عن إدعاء تكراره ورجح تفسير الأمر بما هو واحد الأوامر أعني ضد النهي بأنه الأصل فيه لأنه مصدر أمره وأما كونه بمعنى العذاب فيخرجه عن المصدرية الأصلية وعن معناه المشهور الشائع ويجعل التعذيب مسببا عنه بقوله سبحانه : جعلنا عاليها سافلها فإن جواب لما والتعذيب نفس إيقاع العذاب فلا يحسن جعله مسببا عن ذلك بل العكس أولى إلا أن يؤول المجيء بإرادته وضمير عاليها و سافلها لمدائن قوم لوط المعلومة من السياق وهي المؤتفكات وهي خمس مدائن : ميعة وصغرة وعصره ودوما وسدوم .
وقيل : سبع أعظمها سدوم وهي القرية التي كان فيها لوط عليه السلام وكان فيها على ما روي عن قتادة أربعة آلاف ألف إنسان أو ما شاء الله تعالى من ذلك وقيل : إن هذا العدد إنما كان في المدائن كلها وقيل : إن ما كان في المدائن أكثر من ذلك بكثير والله تعالى أعلم