ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي لا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم وفيه من المبالغة ما ليس فيما لو قيل : ولا تدعني فيهم وحيث كان فيه ما يلوح بما يستتبعه أكد التعليل فقيل : إنهم مغرقون .
37 .
- أي محكوم عليهم بالإغراق وقد جرى به القضاء وجف القلم فلا سبيل إلى كفه والظاهر أن المراد من الموصول من لم يؤمن من قومه مطلقا وقيل : المراد واعلة زوجته وكنعان ابنه وليس بشيء ويصنع الفلك حكاية حال ماضية لإستحضار صورتها العجيبة .
وقيل : تقديره وأخذ أو أقبل يصنع الفلك وكانت على ما روي عن قتادة وعكرمة والكلبي من خشب الساج وقد غرسه بنفسه ولم يقطعه حتى صار طوله أربعمائة ذراع والذراع إلى المنكب في أربعين سنة على ما روي عن سليمان الفراسي وقيل : أبقاه عشرين سنة وقيل : مكث مائة سنة يغرس ويقطع وييبس وقال عمرو بن الحرث : لم يغرسه بل قطعه من جبل لبنان .
وعن ابن عباس أنها كانت من خشب الشمشاد وقطعه من جبل لبنان وقيل : إنه ورد في التوراة أنها كانت من الصنوبر وروي أنه كان سام وحام ويافث ينحتون معه وفي رواية أنه عليه السلام كان معه أيضا أناس إستأجرهم ينحتون وذكر أن طولها ثلثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراع وإرتفاعها في السماء ثلاثون .
وأخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وصنع لها بابا في وسطها وأتم صنعها على ما روي عن مجاهد في ثلاث سنين .
وعن كعب الأحبار في أربعين سنة وقيل : في ستين وقيل : في مائة سنة وقيل : في أربعمائة سنة وإختلف في أنه في أي موضع صنعها فقيل : في الكوفة وقيل : في الهند وقيل : في أرض الجزيرة وقيل : في أرض الشام وسفينة الأخبار في تحقيق الحال فيما أرى لا تصلح للركوب فيها إذ هي غير سالمة عن عيب فالحري بحال من لا يميل إلى الفضول أن يؤمن بأنه عليه السلام صنع الفلك حسبما قص الله تعالى في كتابه ولا يخوض في مقدار طولها وعرضها وإرتفاعها ومن أي خشب صنعها وبكم مدة أتم عملها إلى غير ذلك مما لم يشرحه الكتاب ولم تبينه السنة الصحيحة هذا في التعبير بيصنع على ما قيل : ملاءمة للإستمرار المفهوم من الجملة الواقعة حالا من ضميره أعني قوله تعالى : وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه أي إستهزأوا به لعمله السفينة إما لأنهم ما كانوا يعرفونها ولا كيفية إستعمالها فتعجبوا من ذلك وسخروا منه ويشهد لعدم معرفتهم ما روي عن ابن عباس أنه عليه السلام حين قال الله تعالى له : اصنع الفلك قال : يا رب وما الفلك قال : بيت من خشب يجري على وجه الماء قال يا رب : وأين الماء قال : إني على ما أشاء قدير وإما لأنه عليه السلام كان يصنعها في برية بعيدة عن الماء وكانوا يتضاحكون ويقولون : يا نوح صرت نجارا بعد ما كنت نبيا وهذا مبني على أن السفينة كانت معروفة بينهم ويشهد له ما أخرجه ابن جرير والحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : كان نوح قد مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم حتى كان آخر زمانه غرس شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعل يعملها سفينة فيرونه ويسألونه فيقول أعملها سفينة فيسخرون منه ويقولون : تعمل سفينة في البر وكيف تجري فيقول : سوف تعلمون الحديث والأكثرون كما قال ابن عطية على أنهم لم يكونوا رأوا سفينة قط ولا كانت إذ ذاك وقد ذكر في كتب