يقتضي أن من القوم من آمن بعد ذلك وهو ينافي تقنيطه من إيمانهم وقد يقال : المراد ما هو الظاهر والإستثناء على حد الإستثناء في قوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف على ما قاله غير واحد فيفيد الكلام الإقناط على أتم وجه وأبلغه أي لن يحدث من قومك إيمانا ويحصله بعد إلا من قد أحدثه وحصله قبل وذلك مما لا يمكن لما فيه من تحصيل الحاصل وإحداث المحدث فإحداث اإيمان وتحصيله بعد مما لا يكون أصلا وفي الحواشي الشهابية لو قيل : إن الإستثناء منقطع وأن المعنى لا يؤمن أحد بعد ذلك غير هؤلاء لكان معنى بليغا فتدبر وقرأ أبو البر هسم وأوحى مبنيا للفاعل وأنه بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين وعلى إجراء أوحى مجرى قال على مذهب الكوفيين وإستدل بالآية من أجاز التكليف بما لا يطاق .
فلا تبتئس بما كانوا يفعلون .
36 .
- أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن بما كانوا يتعاطونه من التكذيب والإستهزاء والإيذاء في هذه المدة الطويلة فقد حان وقت الإنتقام منهم وأصنع الفلك بأعيننا عطف على فلا تبتئس والأمر قيل : للوجوب إذ لا سبيل إلى صيانة الروح من الغرق إلا به فيجب كوجوبها وقيل : للإباحة وليس بشيء وأل في الفلك إما للجنس أو للعهد بناءا على أنه أوحي إليه عليه السلام من قبل أن الله سبحانه سيهلكهم بالغرق وينجيه ومن معه بشيء يصنعه بأمره تعالى من شأنه كيت وكيت وإسمه كذا والباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل والأعين حقيقة في الجارحة وهي جارية مجرى التمثيل كأن لله سبحانه أعينا تكلؤه من تعدي الكفرة ومن الزيغ في الصنعة والجمع للمبالغة وقد إنسلخ عنه لإضافته على ما قيل معنى القلة وأريد به الكثرة وحينئذ يقوي أمر المبالغة وزعم بعضهم أن الأعين بمعنى الرقباء وأن في ذلك ما هو من أبلغ أنواع التجريد وذلك أنهم ينتزعون من نفس الشيء آخر مثله في صفته مبالغة بكمالها كما أنشد أبو علي : أفات بنو مروان ظلما دماءنا وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل وقد جرد ههنا من ذات المهيمن جماعة الرقباء وهو سبحانه الرقيب نفسه وقيل : إن ملابسة العين كناية عن الحفظ وملابسة الأعين لمكان الجمع كناية عن كمال الحفظ والمبالغة فيه ونظير ذلك بسط اليد وبسط اليدين فإن الأول كناية عن الجود والثاني عن المبالغة فيه وجوز أن يكون المراد الحفظ الكامل على طريقة المجاز المرسل لما أن الحفظ من لوازم الجارحة وقيل : المراد من أعيننا ملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على مواضع حفظك ومعونتك والجمع حينئذ على حقيقته لا للمبالغة ويفهم من صنيع بعضهم أن هذا من المتشابه والكلام فيه شهير ففي الدر المنثور عند الكلام على هذه الآية أخرج البيهقي عن سفيان بن عيينة قال : ما وصف الله تبارك وتعالى نفسه في كتابه فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره بالعربية ولا بالفارسية وقرأ أبو طلحة ابن مصرف بأعينا بالإدغام ووحينا إليك كيف تصنعها وتعليمنا أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السلام لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله تعالى إليه أن إجعل رأسها كرأس الديك وجؤجؤها كجؤجؤ الطير وذنبها كذنب الديك وإجعل لها أبوابا في جنبها وشدها بدسر وأمره أن يطليها بالقار ولم يكن في الأرض قار ففجر الله تعالى له عين القار حيث ينحتها يغلي غليانا حتى طلاها الخبر وفيه أن الله تعالى بعث جبريل عليه السلام فعلمه صنعتها وقيل : كانت الملائكة عليهم السلام تعلمه