الأوليات أن نوحا عليه السلام أول من عمل السفينة والحق أنه لا قطع بذلك و كل منصوب على الظرفية و ما مصدرية وقتية أي كل وقت مرور والعامل فيه جوابه وهو سخروا وقوله سبحانه : قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم إستئناف بياني كأن سائلا سأل فقال فما صنع نوح عليه السلام عند بلوغهم منه هذا المبلغ فقيل : قال : إن تسخروا منا لهذا العمل ومباشرة أسباب الخلاص من العذاب فإنا نسخر منكم لما أنتم فيه من الإعراض عن إستدفاعه بالإيمان والطاعة ومن الإستمرار على الكفر والمعاصي والتعرض لأسباب حلول سخط الله تعالى التي من جملتها سخريتكم منا وإستهزاؤكم بنا وإطلاق السخرية عليهم حقيقة وعليه عليه السلام للمشاكلة لأنها لا تليق بالأنبياء عليهم السلام وفسرها بعضهم بالإستجهال وهو مجاز لأنه سبب للسخرية فأطلقت السخرية وأريد سبها .
وقيل : إنها منه عليه السلام لما كانت لجزائهم من جنس صنيعهم لم تقبح فلا حاجة لإرتكاب خلاف الظاهر وجمع الضمير في منا إما لأن سخريتهم منه عليه السلام سخرية من المؤمنسن أيضا أو لأنهم كانوا يسخرون منهم أيضا إلا أنه إكتفى بذكر سخريتهم منه عليه السلام ولذلك تعرض الجميع للمجازاة في قوله : نسخر منكم فتكافأ الكلام من الجانبين والتشبيه في قوله سبحانه : كما تسخرون .
38 .
- إما في مجرد التحقق والوقوع وإما في التجدد والتكرر حسبما صدر عن ملأ بعد ملأ وقيل : لا ما نع من أن يراد الظاهر ولا ضرر في ذلك لحديث الجزاء ومن هنا قال بعضهم : إن في الآية دليلا على جواز مقابلة نحو الجاهل والأحمق بمثل فعله ويشهد له قوله تعالى : فمن إعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى وجزاء سيئة سيئة مثلها وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى غير ذلك والظاهر أن كلا الفعلين واقع في الحال .
وقال ابن جريج : المعنى إن تسخروا منا في الدنيا فإنا نسخر منكم في الآخرة وقيل : في الدنيا عند الغرق وفي الآخرة عند الحرق قال الطبرسي : إن المراد من نسخر منكم على هذا نجازيكم على سخريتكم أو نشمت بكم عند غرقكم وحرقكم وفيه خفاء هذا وجوز أن يكون عامل كلما قال وهو الجواب وجملة سخروا صفة لملأ أو بدل من مر بدل إشتمال لأن مرورهم للسخرية فلا يضر كون السخرية ليست بمعنى المرور ولا نوعا منه وأبو حيان جعل ذلك مبعدا للبدلية وليس بذلك ويلزم على هذا التجويز إستمرار هذا القول منه عليه السلام وهو ظاهر وعلى الإعراب قيل : لا إستمرار وإنما أجابهم به في بعض المرات ورجح بأن المقصود بيان تناهيهم في إيذائه عليه السلام وتحمله لأذيتهم لا مسارعته عليه السلام إلى الجواب كلما وقع منهم ما يؤذيه من الكلام وقد يقال : إن في ذلك إشارة إلى أنه عليه السلام بعد أن يئس من إيمانهم لم يبال بإغضابهم ولذا هددهم التهديد البليغ بقوله : فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه أي يفضحه أو يذله أو يهلكه وهي أقوال متقاربة والمراد بذلك العذاب الغرق ويحل عليه حلول الدين المؤجل عذاب مقيم .
39 .
- أي دائم وهو عذاب النار و من عبارة عنهم وهي موصولة في محل نصب مفعول للعلم وهو بمعنى المعرفة فيتعدى إلى واحد .
وجوز ابن عطية أن يراد العلم المتعدي إلى مفعولين لكنه إقتصر على واحد وتعقبه في البحر بأنه لا يجوز حذف الثاني اقتصارا لأن أصله خبر مبتدأ ولا إختصارا هنا لأنه لا دليل على حذفه