أن يؤتيهم الله خيرا في الدنيا أو في الآخرة فعسى الله سبحانه يؤتيهم خيري الدارين .
الله أعلم بما في أنفسهم مما يستعدون به لإيتاء ذلك وفي إرشاد العقل السليم من الإيمان وفيه توجيه لعطف نفي هذا القول الذي ليس مما يستنكره الكفرة ولا مما يتوهمون صدوره عنه عليه السلام أصالة وإستتباعا على نفي هاتيك الأقوال التي هي مما يستنكرونه ويتوهمون صدوره عنه عليه السلام إن ذلك من جهة أن كلا النفيين رد لقياسهم الباطل الذي تمسكوا به فيما سلف فإنهم زعموا أن النبوة تستتبع الأمور المذكورة من إدعاء الملكية وعلم الغيب وحيازة الخزائن وأن العثور على مكانها وإغتنام مغانمها ليس من دأب الأراذل فأجاب عليه السلام بنفي ذلك جميعا فكأنه قال : لا أقول وجود تلك الأشياء من مواجب النبوة ولا عدم المال والجاه من موانع الخير وإقتصر عليه السلام على نفي القول المذكور مع أنه عليه السلام جازم بأن الله سبحانه سيؤتيهم خيرا عظيما في الدارين وأنهم على يقين راسخ في الإيمان جريا على سنن الإنصاف مع القوم وإكتفاءا بمخالفة كلامهم وإرشادا لهم إلى مسك الهداية بأن اللائق لكل أحد أن لا يبت القول إلا فيما يعلمه يقينا ويبني أموره على الشواهد الظاهرة ولا يجارف فيما ليس فيه على بينة إنتهى وأنت تعلم أنه عليه السلام قد بت القول بفوز هؤلاء في قوله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم بناءا على أنهم المعنيون بالذين آمنوا وأن المراد من كونهم ملاقوا ربهم مقربون في حضرة القدس كما قال به غير واحد وكذا الحكم إذا كان المعنى بالموصول من إتصف بعنوان الصلة مطلقا إذ يدخلون فيه دخولا أوليا لما أن المسئول صريحا أو تلويحا طردهم ولعل البت تارة وعدمه أخرى لإقتضاء المقام وذلك وأن في كون الكفرة قد زعموا أن العثور على مكان النبوة وإغتنام مغانمها ليس من دأب الأراذل خفاءا مع دعوى أنهم لوحوا بقولهم وما نراك اتبعك إلخ الذي هو مظنة ذلك الزعم إلى إلتماس طردهم وتعليق إيمانهم به عليه السلام بذلك أنفة من الإنتظام معهم في سلك واحد .
وفي البحر أن معنى ولا أقول للذين إلخ ليس إحتقاركم إياهم ينقص ثوابهم عند الله تعالى ولا يبطل أجورهم ولست أحكم عليهم بشيء من هذا وإنما الحكم بذلك للذي يعلم ما في أنفسهم فيجازيهم عليه وقيل : إن هذا رد لقولهم وما نراك اتبعك إلخ 2 على معنى لست أحكم عليهم بأن لا يكون لهم خير لظنكم بهم أن بواطنهم ليست كظواهرهم الله أعلم بما في نفوسهم إنتهى ولا يخفى ما فيه .
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي أنه فسر الخير بالإيمان أي لا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله إيمانا وإستشكل بأن الظاهر أن المراد بالموصول أولئك المتبعون المسترذلون وهم مؤمنون عندهم فلا معنى لنفي القول بإيتاء الله تعالى إياهم الإيمان مساعدة لهم ونزولا على هواهم .
وأجيب بأن المراد من هذا الإيمان هو المعتد به الذي لا يزول أصلا كما ينبيء عن ذلك التعبير عنه بالخير وهم إنما أثبتوا لهم الإتباع بادي الرأي وأرادوا بذلك أنهم آمنوا إيمانا لا ثبات له ويجعل ذلك ردا لذلك القول ويراد من لن يؤتيهم ما آتاهم فكأنهم قالوا : إنهم إتبعوك وآمنوا بك بلا تأمل ومثل ذلك الإيمان في معرض الزوال فهم لا يثبتون عليه ويرتدون فرد عليهم عليه السلام بأني لا أحكم على أولئك بأن الله تعالى ما آتاهم إيمانا لا يزول وأنهم سيرتدون كما زعمتم ويكون قوله عليه السلام : الله أعلم بما في أنفسهم تفويضا للحكم بذلك إليه تعالى أو إشارة إلى جلالة ما آتاهم الله تعالى إياه من الإيمان كما يقال الله تعالى :