وقال الجبائي : وأبو مسلم : إن المراد بها مقدورات الله تعالى أي لا أقول لكم حين أدعي النبوة عندي مقدورات الله تعالى فأفعل ما أشاء وأعطي ما أشاء وأمنع ما أشاء وليس بشيء ومثله بل أدهى وأمر قول ابن الأنباري : إن المراد بها غيوب الله تعالى وما إنطوى عن الخلق وجعل ابن الخازن هذه الجملة عطفا على لا أسألكم إلخ والمعنى عنده لا أسألكم عليه مالا ولا أقول لكم عندي خزائن الله التي لا يفنيها شيء فأدعوكم إلى إتباعي عليها لأعطيكم منها ولا أعلم الغيب عطف على عندي خزائن الله المقول للقول وذكر معه النفي مع أن العطف على مقعول القول المنفي منفي أيضا من غير أن يذكر معه أداة نفي لتأكيد النفي السابق والتذكير به ودفع إحتمال أن لا يقول هذا المجموع فلا ينافي أن يقول أحدهما أي ولا أقول أنا أعلم الغيب حتى تكذبوني لاستبعاد ذلك وما ذكرت من دعوى النبوة والإنذار بالعذاب إنما هو بوحي وإعلام من الله تعالى مؤيد بالبينة والغيب ما لم يوح به ولم يقم عليه دليل ولعله إنما لم ينف عليه السلام القول بعلم الغيب على نحو ما فعل في السابق واللاحق مبالغة في نفي هذه الصفة التي ليس لأحد سوى الله تعالى منها نصيب أصلا ويجوز عطفه على أقول أي لا أقول لكم ذلك ولا أدعي علم الغيب في قولي إني نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم حتى تسارعوا إلى الإنكار والإستبعاد وقيل : هو معطوف على هذا أو ذاك إلا أن المعنى لا أعلم الغيب حتى أعلم أن هؤلاء إتبعوني بادي الرأي من غير بصيرة وعقد قلب ولا يخفى حاله وإعترض على الأول بأنه غير ملائم للمقام ثم قيل : والظاهر أنه صلى الله عليه وسلّم حين إدعى النبوة سألوه عن المغيبات وقالوا له : إن كنت صادقا أخبرنا عنها فقال : أنا أدعي النبوة بآية من ربي ولا أعلم الغيب إلا بإعلامه سبحانه ولا يلزم أن يذكر ذلك في النظم الكريم كما أن سؤال طردهم كذلك إنتهى وفيه أن زعم عدم الملاءمة ليس على ما ينبغي وأيضا لا يخفى أنه لا قرينة تدل على وقوعه جوابا لما لم يذكر وأما سؤال طردهم فإن الإستحقار قرينة عليه في الجملة وقد صرح بعض السلف به ومثله لا يقال من قبل الرأي ولا أقول إني ملك رد لقولهم ما نراك إلا بشرا مثلنا أي لا أقول ترويجا لما أدعيه من النبوة إني ملك حتى تقولوا لي ذلك وتكذبوني فإن البشرية ليست من موانع النبوة بل من مباديها يعني كما قيل : إنكم إتخذتم فقدان هذه الأمور الثلاثة ذريعة إلى تكذيبي والحال أني لا أدعي شيئا من ذلك ولا الذي يتعلق بشيء منها وإنما الذي أدعيه يتعلق بالفضائل التي تتفاوت بها مقادير البشر وقيل : أراد بهذا لا أقول : إني روحاني غير مخلوق من ذكر وأنثى بل إنما أنا بشر مثلكم فلا معنى لردكم علي بقولكم ما نراك إلا بشرا مثلنا وعلى القولين لا دليل فيه على أن الملائكة أفضل من الأنبياء عليهم السلام خلافا لمن إستدل به وجعل ذلك كلاما آخر ليس ردا لما قالوه سابقا مما لا وجه له فتدبر ولآ أقول للذين تزدري أعينكم أي تستحقرهم والأصل تزتري بالتاء إلا أنها قلبت دالا لتجانس الزاي في الجهر لأنها من المهموسة وأصل الإزدراء الإعابة يقال : إزدراه إذا عابه والتعبير بالمضارع للإستمرار أو لحكاية الحال لأن الإزدراء قد وقع وإسناده إلى الأعين مجاز للمبالغة في رأي من حيث أنه إسناد إلى الحاسة التي لا يتصور منها تعييب أحد فكأن من لا يدرك ذلك يدركه وللتنبيه على أنهم إستحقروهم بادي الرؤية وبما عاينوا من رثاثة حالهم وقلة منالهم دون تأمل وتدبر في معانيهم وكمالاتهم وعائد الموصول محذوف كما أشرنا إليه واللام للأجل لا للتبليغ وإلا لقيل فيما بعد يؤتيكم أي لا أقول مساعدة لكم ونزولا على هواكم في شأن الذين إسترذلتموهم وإستحقرتموهم لفقرهم من المؤمنين