لا يعلمه غيره تعالى الكيفيات والمزايا التي بها الإعجاز والتحدي وذكر عدم قدرة غيره سبحانه مما يقتضيه السياق وإلا فالمذكور في النظم الكريم العلم دون القدرة وقيل : ذاك لأن نفي العلم بالشيء يستلزم نفي القدرة لأنه لا يقدر أحد على ما لا يعلم والجملة الشرطية داخلة في حيز القول وإيراد كلمة الشك مع الجزم بعدم الإستجابة من جهة من يدعونه تهكم بهم وتسجيل عليهم بكمال سخافة العقل وترتيب الأمر بالعلم على مجرد عدم الإستجابة من حيث أنه مسبوق بالدعاء المسبوق بتعجيزهم واضطرارهم فكأنه قيل : فإن لم يستجيبوا لكم عند التجائكم إليهم بعد ما اضطررتم إلى ذلك وصاعت عليكم الحيل وعيت بكم العلل فاعلموا إلخ أو من حيث أن من يدعونهم إلى المعارضة أقوى منهم في إعتقادهم فإذا ظهر عجزهم بعدم استجابتهم وإن كان ذلك قبل ظهور عجز أنفسكم يكون عجزهم أظهر وأوضح .
وبمجموع ما ذكرنا يظهر أن لا إشكال في الآية ومما يقضي منه العجب قول العز بن عبدالسلام في أماليه : إن ترتيب هذا المشروط يعني العلم على ذلك الشرط يعني عدم الإستجابة مشكل وكذا قوله سبحانه : أنزل بعلم الله مشكل أيضا إذ لا تصح الباء للسببية إذ ليس العلم سببا في إنزاله ولا للمصاحبة إذ العلم لا يصحبه في إنزاله وأن الجواب أنه ليس المراد بالعلم إلا علمنا نحن وأضيف إليه D لأنه مخلوق له تعالى ونظير ذلك ما في قوله جلا وعلا : ولا نكتم شهادة الله حيث أضيفت الشهادة إلى الله سبحانه باعتبار أنه تعالى شرعها والقرآن قد نزل بأدلة العلم بأحكام الله تبارك إسمه فعبر بالمدلول على الدليل والتقدير فاعلموا أنما أنزل مصحوبا بإنتشار علم الأحكام وهي الأدلة ولا شك أنه يناسب إذا عجزوا عن معارضته أن يعلموا أن هذه الآيات أدلة أحكام الله تعالى إنتهى وليت شعري كيف غفل هذا العالم الماهر عن ذلك التفسير الظاهر ولعله كما قيل : من شدة الظهور الخفاء وأن لا إله إلا هو أي واعلموا أيضا أنه تعالى المختص بالألوهية وأحكامها وأن آلهتكم بمعزل عن رتبة الشركة له تعالى في ذلك فهل أنتم مسلمون .
14 .
- أي داخلون في الإسلام إذا لم يبق بعد شائبة شبهة في حقيته وفي بطلان ما أنتم فيه من الشرك فيدخل فيه الإذعان بكون القرآن من عند الله تعالى دخولا أوليا أو منقادون للحق الذي هو كون القرآن من عند الله تعالى وتاركون ما أنتم عليه من المكابرة والعناد وفي الإستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال المانع ولهذا جيء بالفاء وفي التعبير بمسلمون دون تسلمون تأييد لما يقتضيه ترتيب ما ذكر على ما قبل بها من وجوبه بلا مهلة قيل : وفي ذلك أيضا إقناط لهم من أن يجيرهم آلهتهم من بأس الله تعالى شأنه وعز سلطانه وجوز أم يكون الضمير في لكم للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ويؤيده أنه جاء في آية أخرى فإن لم يستجيبوا لك وروي ذلك عن مجاهد وكان المناسب للأمر بقل الإفراد لكنه جمع للتعظيم وهو لا يختص بضمير المتكلم كما قاله الرضي ومن ذلك .
وإن شئت حرمت النساء سواكم .
والجملة غير داخلة في حيز القول بل هي من قبله تعالى للحكم بعجزهم كقوله سبحانه : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا وعبر بالإستجابة إيماء إلى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم على كمال الأمن من أمره كأن أمره E لهم بالإتيان بمثله دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه ويجوز أن يكون الضمير له صلى الله تعالى عليه وسلم وللمؤمنين لأنهم أتباع له صلى الله تعالى عليه وسلم في الأمر بالتحدي وفيه تنبيه لطيف على أن حقهم أن لا ينفكوا عنه