وقد أخرج ذلك ابن الضريس في فضائل القرآن عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ووجه ذلك بأن ما وقع أولا هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والإشتمال على ما اشتمل عليه من الأخبار عن المغيبات والأحكام وأخواتها فلما عجزوا عن ذلك أمرهم بأن يأتوا بعشر سور مثله في النظم وإن لم تشتمل على ما اشتمل عليه وضعفه في الكشف وقال : إنه لا يطرد في كل سورة من سور القرآن وهب أن السورة متقدمة النزول إلا أنها لما نزلت على التدريج جاز أن تتأخر تلك الآية عن هذه ولا ينافي تقدم السورة إنتهى .
وتعقبه الشهاب بأن قوله لا يطرد مما لا وجه له لأن مراد المبرد إشتماله على شيء من الأنواع السبعة ولا يخلو شيء من القرآن عنها وادعاء تأخر نزول تلك الآية خلاف الظاهر ومثله لا يقال بالرأي وادعى أن الحق ما قاله المبرد من أنه E تحداهم أولا بسورة مثله في النظم والمعنى ثم تنزل فتحداهم بعشر سور مثله في النظم من غير حجر في المعنى ويشهد له توصيفها بمفتريات وأيد بعضهم نظر المبرد بأن التكليف في آية البقرة كان بسبب الريب ولا يزيل الريب إلا العلم بأنهم لا يقدرون على المماثلة التامة وهو في هذه الآية ليس إلا بسبب قولهم : افتراه فكلفوا نحو ما قالوا وفيه أن الأمر في سورة يونس كالأمر هنا مسبوق بحكاية زعمهم الإفتراء قاتلهم الله تعالى مع أنهم لم يكلفوا إلا بنحو ما كلفوا به في آية البقرة على أن في قوله : ولا يزيل الريب إلخ منعا ظاهرا وللعلامة الطيبي ههنا كلام زعم أنه الذي يقتضيه المقام وهو على قلة جدواه لا وجه لما أسسه عليه كما بين ذلك صاحب الكشف .
هذا ونقل الإمام أنه إستدل بهذه الآية على أن إعجاز القرآن بفصاحته لا بإشتماله على المغيبات وكثرة العلوم إذ لو كان كذلك لم يكن لقوله سبحانه : مفتريات معنى أما إذا كان وجه الإعجاز الفصاحة صح ذلك لأن فصاحة الكلام تظهر إن صدقا وإن كذبا واعترض عليه الفاضل الجلبي بما هو مبني على الغفلة عن معنى الإفتراء والإختلاق إ نعم ما ذكر إنما يدل على كون وجه الإعجاز ذلك ولا يمنع إحتمال كونه الأسلوب الغريب وعدم إشتماله على التناقض كما قيل به .
وادعوا من استطعتم أي إستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به من آلهتكم التي تزعمون أنها ممدة لكم في كل ما تأتون وما تذرون والكهنة الذين تلجأون إلى آرائهم الملمات ليسعدوكم في ذلك .
من دون الله متعلق بادعوا أي متجاوزين الله تعالى وفيه على ما قال غير واحد إشارة إلى أنه لا يقدر على مثله إلا الله D إن كنتم صادقين .
13 .
- في أني افتريته فإن ذلك يستلزم الإتيان بمثله وهو أيضا يستلزم قدرتكم عليه وجواب إن محذوف دل عليه المذكور قبل فإلم يستجيبوا لكم الخطاب على ما روي عن الضحاك للمأمورين بدعاء من استطاعوا وضمير الجمع الغائب عائد إلى من أي فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله تعالى إلى الإسعاد والمظاهرة على المعارضة لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه فاعلموا أنما أنزل بعلم الله أي ما أنزل إلا ملتبسا بعلمه تعالى لا بعلم غيره على ما تقتضيه كلمة أنما فإنها تفيد الحصر كالمكسورة على الصحيح قيل : وهو معنى قول من قال : أي ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله تعالى ولا يقدر عليه سواه .
وادعى بعضهم أن الحصر إنما أفادته الإضافة كما في قوله تعالى : لا يظهر على غيبه أحدا والمراد بما