فلا يظهر منه حسن عمل إلا من الصابرين الصالحين أو من حيث أن إنكارهم البعث واستهزاءهم بالعذاب بسبب بطرهم وفخرهم كأنه قيل : إنما فعلوا ما فعلوا لأن طبيعة الإنسان مجبولة على ذلك انتهى ولا يخفى ما في الأول من البعد والثاني أقرب والله تعالى أعلم .
ومن باب الإشارة في الآيات الر إشارة إلى ما مرت الإشارة إليه أحكمت آياته أي حقائقه وأعيانه في في العالم الكلي فلا تتبدل ولا تتغير ثم فصلت في العالم الجزئي وجعلت مبينية معينة بقدر معلوم من لدن حكيم فلذا أحكمت خبير فلذا فصلت وقد يقال : الإشارة إلى آيات القرآن قد أحكمت في قلوب العارفين ثم فصلت أحكامها على أبدان العالمين وقيل : أحكمت بالكرامات ثم فصلت بالبينات أن لا تعبدوا إلا الله أي أن لا تشركوا في عبادته سبحانه وخصصوه D بالعبادة إني لكم منه نذير عقاب الشرك وتبعته وبشير بثواب التوحيد وفائدته وقيل : نذير بعظائم قهره وبشير بلطائف وصله وأن استغفروا ربكم اطلبوا منه سبحانه أن يستركم عن النظر إلى الغير حتى أفعالكم وصفاتكم ثم توبوا إليه ارجعوا بالفناء ذاتا وقيل استغفروا ربكم من الدعاوي وتوبوا إليه من الخطرات المذمومة يمتعكم متاعا حسنا بتوفيقكم لاتباع الشريعة حال البقاء بعد الفناء ويقال : المتاع الحسن صفاء الأحوال وسناء الأذكار وحلاوة الأفكار وتجلي الحقائق وظهور اللطائف والفرح برضوان الله تعالى وطيب العيش بمشاهدة أنواره سبحانه والمتاع مشاهدة المحب حبيبه ولله در من قال : مناي من الدنيا لقاؤك مرة فإن نلتها استوفيت كل منائيا إلى أجل مسمى هو وقت وفاتكم ويؤت كل ذي فضل بالسعي والإجتهاد وبذل النفس فضله في الدرجات والقرب إليه سبحانه ويقال : يؤت كل ذي فضل في الإستعداد فضله في الكمال وسئل أبو عثمان عن معنى ذلك فقال : يحقق آمال من أحسن به ظنه وإن تولوا أي تعرضوا عن امتثال الأمر والنهي فأنى أخاف عليكم عذاب يوم كبير وهو يوم الرجوع إلى الله تعالى الذي يظهر فيه عجز ما سواه تعالى ويتبين قبح مخالفة ما أمر به وفظاعة ارتكاب ما نهى عنه ألا إنهم يثنون يعطفون صدورهم على ما فيها من الصفات المذمومة ليستخفوا منه تعالى وذلك لمزيد جهلهم بما يجوز عليه جل شأنه ومالا يجوز ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون من الأقوال والأفعال وسائر الأحوال وقيل : ما يسرون من الخطرات وما يعلنون من النظرات وقيل : ما يسرون بقلوبهم وما يعلنون بأفواههم وقيل : ما يسرون بالليل وما يعلنون بالنهار والنعميم أولى ومن الناس من جعل ضمير منه للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وقد علمت أنه يبعده ظهور أن ضمير يعلم له تعالى لكن ذكر في أسرار القرآن أنه تعالى كسا أنوار جلاله أفئدة الصديقين فيرون بأبصار قلوبهم ما يجري في صدور الخلائق من المضمرات والخطرات كما يرون الظواهر بالعيون الظاهرة وقد جاء إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى وعلى هذا فيمكن أن يكون ضمير يعلم للرسول E وأياما كان فالآية نازلة في غير المؤمنين حسبما يقتضيه الظاهر وقد تقدم لك أن الأمر على ما روي عن الحبر رضي الله تعالى عنه مشكل .
وقال بعض أرباب الذوق : إن الآية عليه إشارة إلى أن أولئك الأناس لم يصلوا إلى مقام الجمع ولم يتحققوا بأعلى مراتب التوحيد وفيه خفاء أيضا فتفطن وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها أي ما تتغذى به