شبحاشبحا وروحا ويقال : لكل رزق عليه تعالى بقدر حوصلته فرزق الظاهر للأشباح ورزق المشاهدة للأرواح ورزق الوصلة للأسرار ورزق الرهبة للنفوس ورزق الرغبة للعقول ورزق القربة للقلوب وهذا بالنظر إلى الإنسان وأما بالنظر إلى سائر الحيوانات فلها أيضا رزق محسوس ورزق معقول يعلمه الله تعالى ويعلم مستقرها ومستودعها فمستقر الجميع أصلاب العدم ومستودعها أرحام الحدوث وهو الذي خلق السماوات والأرض وما في كل في ستة أيام وكان عرشه على الماء أي كان حيا قيوما كما قال ابن الكمال .
وقيل : الماء إشارة إلى المادة الهيولانية والمعنى وكان عرشه قبل خلق السماوات والأرض بالذات لا بالزمان ميتعليا على المادة فوقها بالرتبة وقيل : غير ذلك وإن شئت التطبيق على ما في تفاصيل وجودك فالمعنى على ما قيل : خلق سماوات قوى الروحانية وأرض الجسد في الأشهر الستة التي هي أقل مدة الحمل وكان عرشه الذي هو قلب المؤمن على ماء مادة الجسد مستوليا عليه متعلقا به التصوير والتدبير ليبلوكم أيكم أحسن عملا قيل : جعل غاية الخلق ظهور الأعمال أي خلقنا ذلك لنعلم العلم التفصيلي للوجود الذي يترتب عليه الجزاء أيكم أحسن عملا ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة إلخ تضمن الإشارة إلى أنه ينبغي للعبد أن يكون في السراء والضراء واثقا بربه تعالى متوكلا عليه غير محتجب عنه برؤية الأسباب لئلا يحصل له اليأس والكفران والبطر والفخر بذلك وجودا وعدما فإن آتاه رحمة شكره أولا برؤية ذلك منه جل شأنه بقلبه .
وثانيا باستعمال جوارحه في مراضيه وطاعاته والقيام بحقوقه تعالى فيها وثالثا بإطلاق لسانه بالحمد والثانء على الله تعالى وبذلك يتحقق الشكر المشار إليه بقوله تعالى : وقليل من عبادي الشكور وإلى ذلك أشار من قال : أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا وبالشكر تزداد النعم كما قال تعالى : لإن شكرتم لأزيدنكم وعن علي كرم الله تعالى وجهه إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر ثم إن نزعها منه فليصير ولا يتهم الله تعالى بشيء فإنه تعالى أبر بالعبد وأرحم وأخبر بمصلحته وأعلم ثم إذا أعادها عليه لا ينبغي أن يبطر ويغتر ويفتخر بها على الناس فإن الإغترار والإفتخار بما لا يملكه من الجهل بمكان وقد أفاد سبحانه أن من سجايا الإنسان في الشدة بعد الرحمة اليأس والكفران وبالنعماء بعد الضراء والفرح والفخر إلا الذين صبروا مع الله تعالى في حالتي النعماء والضراء والشدة والرخاء فالفقر والغنى مثلا عندهم مطيتان لا يبالون أيهما امتطوا وعملوا الصالحات ما فيه صلاحهم في كل أحوالهم أولئك لهم مغفرة من ذنوبهم ظهور النفس باليأس والكفران والفرح والفخر وأجر كبير من ثواب تجليات الأفعال والصفات وجنانهما والله تعالى ولي التوفيق .
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك أي تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به فاسم الفاعل للمستقبل ولذا عمل و لعل للترجي وهو يقتضي التوقع ولا يلزم من توقع الشيء وقوعه ولا ترجح وقوعه لجواز أن يوجد ما يمنع منه فلا يشكل بأن توقع التبليغ منه صلى الله عليه وسلّم مما لا يليق بمقام النبوة والمانع من ذلك فيه E عصمته كسائر الرسل الكرام عليهم السلام عن كتم الوحي المأمور بتبليغه والخيانة فيه وتركه تقية والمقصود من ذلك تحريضه A وتهييج داعيته لأداء الرسالة ويقال نحو ذلك في كل توقع نظير هذا التوقع وقيل : إن التوقع تارة يكون للمتكلم وهو الأصل