وقد يكون المعنى إن كنتم في شك من صحة ديني وسداده فأخبركم أن خلاصته العبادة لا له هذا شأنه دون ما تعبدونه مما هو بمعزل عن ذلك الشأن فأعرضوا ذلك على عقولكم وأجيلوا فيه أفكاركم وإنظروا بعين الإنصاف لتعلموا صحته وحقيته وذكر بعضهم أنه لا يحتاج على هذا إلى جعل المسبب الإخبار والإعلام بل يعتبر الجزاء الأمر بعرض ما ذكر على عقولهم والتفكر فيه والأظهر إعتبار كون الأخبار جزاء كما في المعنى الأول والتعبير عما هم عليه بالشك مع كونهم قاطعين بعدم الصحة للإيذان بأنأقصى ما يمكن عروضه للعاقل في هذا الباب هو الشك في الصحة وأما القطع بعدمها فما لا سبيل إليه وقيل : لا نسلم أنهم كانوا قاطعين بل كانوافي شك وإضطراب عند رؤية المعجزات وجيء بأن للإشارة إلا أنه مما لا ينبغي أن يكون لوجود ما يزيله .
وجوز أن يكون المعنى إن كنتم في شك من ديني ومما أنا عليه أمأتركه وأوافقكم فلا تحدثوا أنفسكم بالمحال ولا تشكوا في أمري وإقطعوا عنى أطماعكم وإعلموا أني لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولا أختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى : قل ياأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا يخفى أن ما قبل أوفق بالمقام وتقديم ترك عبادة غير الله تعالى على عبادته سبحانه لتقدم التخلية على التحلية كما في كلمة التوحيد والإيذان بالمخالفة من أول الأمر وتخصيص التوفي من بين سائر صفات الأفعال بالذكر متعلقا بهم للتخويف فإنه لا شيء أشد عليهم من الموت وقيل : المراد أعبد الله الذي خلقكم ثم يتوفاكم ثم يعيدكم وفيه إيماء إلى الحشر الذي ينكرونه وهو من أمهات أصول الدين ثم حذف الطرفان وأبقي الوسط ليدل عليهما فإنهما قد كثر إقترانهما به في القرآن وأمرت أن أكون من المؤمنين 104 أي أوجب الله تعالى على ذلك فوجوب إيمان بالله تعالى شرعي كسائر الواجبات وذكر المولى صدر الشريعة أن للشرعي معنيين ما يتوقف على الشرع كوجوب الصلاة والصوم وما ورد به الشرع ولا يتوقف على الشرع كوجوب الإيمان بالله سبحانه ووجوب تصديقه صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه لا يتوقف على الشرع فهو ليس بشرعي بالمعنى الأول وذلك لأن ثبوت الشرع موقوف على الإيمان بوجود الباري تعالى وعلمه وقدرته وكلامه وعلى التصديق بنبوة النبي E بدلالة معجزاته فلو يتوقف شيء من هذه الأحكام على الشرع لزم الدور ولقائلأن يمنع توقف الشرع على وجوب الإيمان ونحوه سواء أريد بالشرع خطاب الله تعالى أو شريعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتوقف التصديق بثبوت شرع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على الإيمان بالله تعالى وصفاته وعلى التصديق بنبوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ودلالة معجزاته لا يقتضي توقفه على وجوب الإيمان والتصديق ولا على العلم بوجوبهما غايته أنه يتوقف على نفس الإيمان والتصديق وهو غير مفيد لتوقفه على وجوب الإيمان والتصديق ولا مناف لتوقف وجوب الإيمان ونحوه على الشرع كما هو المذهب عندهم من أن لا وجوب إلا بالسمع وقول الزمخشري هنا : إنه عليه الصلاة السلام أمر بالعقل والوحي لا يخلو عن نزغة إعتزالية كما هو دأبه في كثير من المواضع ومن قال من المفسرين منا : إنه وجب على ذلك بالعقل والسمع أراد بالعقل التابع لما سمع بالشرع فلا تبعية والكلام على حذف الجار أي أمرت بأن 4 أكون وحذفه من أن وأن مطرد وإن قطع النظر عن ذلك فالحذف بعد أمر مسموع عن العرب كقوله :