وعجوا جميعا وتضرعوا إليه تعالى وأخلصوا النية فرحمهم ربهم وإستجاب دعاءهم وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب وكان ذلك يوم عاشوراء وكان يوم الجمعة .
قال ابن مسعود : إنه من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم حتى إن كان الرجل ليأتي إلى الحجر قد وضع أساس بنيانه عليه فيقلعه ويردهإلى صاحبه وجاء في رواية عن قتادة أنهم عجوا إلى الله تعالى أربعين صباحا حتى كشف ما نزل بهم وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وغيرهما عن ابن غيلان قال : لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا : ما ترى قال : قولوا : ياحي حين لاحي وياحي محي الموتى وياحي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف عنهم العذاب وقال الفضيل بن عياض : قالوا : اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم وأجل فإفعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله وكان يونس عليه السلام إذ ذهب عنهم قعد في الطريق يسأل الخبر كما جاء مرفوعا فمر بهرجل فقال له : ما فعل قوم يونس فحدثه بما صنعوا فقال : لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم وإنطلق مغاضبا حسبما قصه الله تعالى في غير هذا الموضع مما سبأتي إن شاء الله تعالى وظاهر الآية يستدعي أن القوم شاهدوا العذاب لمكان كشفنا وهو الذي يقتضيه أكثر الأخبار وإليه ذهب كثير من المفسرين ونفع الإيمان لهم بعد المشاهدة من خصوصياتهم فإن إيمان الكفار بعد مشاهدة ما وعدوا به إيمان بأس غير نافع لإرتفاع التكليف حينئذ وعادة الله إهلاكهم من غير إمهال كما أهلك فرعون والقول بأنه بقى حيا إلى ما شاء الله تعالى وسكن أرض الموصل من مفتريات اليهود .
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض تحقيق لدوران إيمان جميع المكلفين وجودا وعدما على قطب مشيئته سبحانه مطلقا بعد بيان تبعية كفر الكفرة لكلمته ومفعول المشيئة هنا محذوف حسب المعهود في نظائره أي لو شاء سبحانه إيمان من في الأرض من الثقلين لآمن كلهم بحيث لا يشذ منهم أحد جميعا أي مجتمعين على الإيمان لا يختلفون فيه لكنه لم يشأ ذلك لأنه سبحانه لا يشاء إلا ما يعلم ولا يعلم إلا ما له ثبوت في نفسه فيمالا ثبوت له أصلا لا يعلم ومالايعلم لا يشاء وإلى هذا التعليل ذهب الكورانيعليه الرحمة وأصال الكلام في تحريره والذب عنه في غير ما رسالة والجمهور على أنه سبحانه لا يشاؤه لكونه مخالفا للحكمة التي عليها بناء أساس التكوين والتشريع والآية حجة على المعتزلة الزاعمين أن الله تعالى شاء الإيمان من جميع الخلف فلم يؤمن إلا بعضهم والمشيئة عندهم قسمان تفويضية يحوز تخلف الشيء عنها وقسرية لا يجوز التخلف عنها وحملوا ما في الآية على هذا الأخير فالمعنى عندهم لو شاء ربك مشيئةإلجاء وقسر إيمان الثقلين لآمنوا لكنه سبحانه لم يشأ كذلك بل أمرهم بالإيمان وخلق لهم إختيارا له ولضده وفوض الأمر إليهم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وهذا ديدنهم في كل ما ورد عليهم من الآيات الظاهرة في إبطال ما هم عليه وفيه أنه لا قرينة على التقييد مع أن قوله سبحانه : أفأنت تكره الناس يأباه فيما قيل فإن الهمزة للإنكار وهي لصدارتها مقدمة من تأخير على ما عليه الجمهور والفاء للتفريع والمقصود فرع الإنكار على ما قبل