ينزل بهم ومتعناهم بمتاع الدنيا بعد كشف العذاب عنهم إلى حين 98 أي زمان من الدهر مقدر لهم في علم الله تعالى ونقل عن ابن عباس أن المراد إلى يوم القيامة فهم اليوم أحياء إلا أن الله تعالى سترهم عن الناس على حد ما يقال في الخضر عليه السلام ورأيت في بعض الكتب ما يوافقه إلا أنه ذكر فيه أنهم يظهرون أيام المهدى ويكونون من جملة أنصاره ثم يموتون والكل مما لا صحة له وقال آخرون : الإستثناء متصل ويراد من القرية أهلها المشرفون على الهلاك .
وقيل : العاصون ويعتبر النفي الذي يشعر به التحضيض و هو مشعر بالأمر أيضا ولذا جعلوه في حكمه إلا أنه لا يصح إعتباره على تقدير الإتصال لما يلزمه من كون الإيمان من المستثنين غير مطلوب وهو غير مطلوب بل فاسد وقيل لا مانع من ذلك على ذلك التقدير لأن أهل القرى محضوضون علىالإيمان النافع و ليس قوم يونس محضوضين عليه لأنهم آمنوا والذوق يأبى إلا إعتبار النفي فقط حال إعتبار الإتصال ويكون قوله سبحانه : لما آمنوا إستئنافا لبيان نفع إيمانهم وقريء إلا قوم بالرفع على البدل من قرية المراد بها أهلها وأيد بذلك القول بالإتصال وإعتبار النفي لأن البدل لا يكون إلا في غير الموجب وخرج بعضهم هذه القراءة على أن الا بمعنى غير وهي صفة ظهر إعرابها فيما بعدها كما في قولهعلى رأي .
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان وظاهر كلامهم أن الإستثناء مطلقا من قرية وعن الزمخشري أنه على الأول من القرية لا من الضمير في آمنت وعلل بأن المنقطع بمعنى لكن فيتوسط بين الكلامين المتايرين فلا يعتمد ما لا يستقل ولأنه لا مدخل للوصف أعنى الإيمان في المشتثنى منه فالإستثناء عن أصل الكلام وأما على الثاني فهو إستثناء من الضمير من حيث المعنى جعل في اللفظ منه أو من القريةإذ لا فرق في قولك : كان القوم منطلقين إلا زيدا بين جعله من الإسم أو من الضمير في الخبر لأن الحكم إنما يتم بالخبر وإنما الفرق في نحو ضربت القوم العالمين إلا زيدا ثم قال : ونظير هذا في الوجهين قوله تعالى : انا ارسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط ووجه ذلك ظاهرا وفي الكشف أن وجه الشبه إختلاف معنى الهلاك على الوجهين كإختلاف معنى الإرسال هنالك على الوجهين وكأنه عني بالهلاك المأخوذ قيدا في قوله فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها فتدبر وفي يونس لغات تثليث النون مهموزا وغير مهموز والمتواتر منها الضم بلا همز .
وكان من قصة هولاء القوم على ما روي عن غير واحد أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من أرض الموصل وكانوا أهل كفر وشرك فدعاهم إلى الإيمان بالله تعالى وحده وترك ما يعبدون من الأصنام فأبوا عليه وكذبوهفأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث فلما كانت الليلة الثالثة ذهب عنهم من جوف الليل فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم ليس بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل وجاء أنه غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا فهبط حتى غشي مدينتهم وإسودت أسطحتهم فلما أيقنوا بالهلاك طلبوا نبيهم فلم يجدوه فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة وفرقوا بين الوالدة وولدها من الناس والدواب فحن البعض إلى البعض و علت الأصوات