كما في قوله سبحانه : قل إن كان للرحمن ولد وقوله تعالى : فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها كماهو ظاهر والمراد بالموصول القصص أي إن كنت في شك من القصص المنزلة إليك التي من جملتها قصة فرعون وقومه وأخبار بني إسرائيل فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم حسبما أنزلناه اليك وخصت القصص بالذكر لأن الأحكام المنزلة إليه E ناسخة لأحكامهم مخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإنجيل وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويويده أنه قريء الكتب بالجمع وفسر الموصول بمن لم يؤمن من أهل الكتاب لأن أخبارهم بما يوافق ما أنزل المترتب على السوال أجدى في المقصود وفسره بعضهم بالمومنين منهم كعبد الله بن سلام وتميم الداري ونسب ذلك إلى ابن عباس والضحاك ومجاهد .
وتعقب بأن ابن سلام وغيره إنما أسلموا بالمدينة وهذه السورة مكية وينبغي أن يكون المراد الإستدلال على حقية المنزل والإستشهاد بما في الكتب المتقدمة على ما ذكر وأن القرآن مصدق لها ومحصل ذلك أن الفائدة دفع الشك إن طرأ لأحد غيره صلى الله عليه وسلّم بالبرهان أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته A وتوبيخهم على ترك الإيمان أو تهييج الرسول E وزيادة تثبيته وليس الغرض إمكان وقوع الشك له صلى الله تعالى عليه وسلم أصلا ولذلك قال E حين جاءته الآية على ما أخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة : لاأشك ولا أسأل .
وزعم الزجاج أن أن نافية وقوله سبحانه : فاسأل جواب الشرط مقدر أي ما كنت في شك مما أنزلنا إليك فإن أردت أن تزداد يقينا فإسأل وهو خلاف الظاهر وفيما ذكر غني عنه ومثله ما قيل : إن الشك بمعنى الضيق والشدة بما يعايته A من تعنت قومه وأذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك وتعنتهم فإسأل أهل الكتاب كيف صبر الأنبياء عليهم السلام على أذى قومهم وتعنتهم فإصبر كذلك بل هو أبعد جدا من ذلك وقيل : الخطاب له صلى الله تعالى عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيهاالسامع في شك مما أنزلنا على لسان نبينا إليك فإسأل فأنزلنا إليك على هذا نظير قوله سبحانه : وأنزلنا اليكم نورا مبينا وفي جعل القراءة صلة الموصول إشارة إلى أن الجواب لا يتوقف على أكثر منها وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدين ينبغي له مراجعة من يزيلها من أهل العلم بل المسارعة إلى ذلك حسبما تدل عليه الفاءالجزائية بناءا على أنها تفيد التعقيب لقد جاءك الحق الواضح الذي لا محيد عنه ولا ريب في حقيته من ربك القائم بما يصلح شأنك فلا تكونن من الممترين 94 أي بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين ودم على ذلك كما كنت من قبل والإمتراء الشك والتردد وهو أخف من التكذيب فلذا ذكر أولا وعقب بقوله سبحانه : ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله أي بشيء منها فتكون بذلك من الخسرين 95 أنفسا وأعمالا والتعبير بالخاسرين أظهر في التحذير من التعبير بالكافرين وفائدة النهي في الموضعين التهييج والإلهاب نظير مامر والمراد بذلك إعلام أن الإمتراء والتكذيب قد بلغا في القبح والمحذورية إلى حيث ينبغي أن ينهى عنهما من لا يمكن أن يتصف بهما فكيف بمن يمكن إتصافه وفيه قطع لأطماع الكفرة