هو سبحانه وقوله D : سنة الله التي قد خلت في عباده فيعني بذلك الإيمان عند رؤية البأس الغير المعتاد وقد قال تعالى : ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها فغاية هذا الإيمان أن يكون كرها وقد أضافه الحق سبحانه إليه والكراهة محلها القلب والإيمان كذلك والله تعالى لا يأخذ العبد بالأعمال الشاقة عليه من حيث ما يجده من المشقة فيها بل يضاعف له فيها الاجر وأما في هذا الموطن فالمشقة منه بعيدة بل جاء طوعا في إيمانه وما عاش بعد ذلك بل قبض ولم يؤخر لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى ولو قبض ركاب البحر الذين قال سبحانه فيهم : ضل من تدعون إلا إياه عند نجاتهم لماتوا موحدين وقد حصلت لهم النجاة ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه : وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون على معنى قد ظهرت نجاتك آية أي علامة على حصول النجاة فغفل أكثر الناس عن هذه الآية فقضوا على المؤمن بالشقاء وأما قوله تعالى : فأوردهم النار فليس فيه أنه يدخلها معهم بلقال جل وعلا : أدخلوا آل فرعون أشد العداب ولم يقل أدخلوا فرعون وآله ورحمة الله تعالى أوسع من أن لا يقبل إيمان المضطر وأي إضطرار أعظم من إضطرار فرعون في حال الغرق والله تبارك وتعالى يقول : أم من يجيب المضطر غذا دعاه ويكشف السوء فقرن للمضطر إذ دعاه بالإجابة وكشف السوء عنه وهذا آمن الله تعالى خالصا وما دعاه في البقاء في الحياة والدنيا خوفا من العوارض و أن يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذه الحال فرجح جانب لقاء الله تعالى على البقاء بالتلفظ بالإيمان وجعل ذلك الغرق نكال الآخرة والأولى فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج وقبضه على أحسن صفة وهذا هو الذي يعطيه ظاهر اللفظ وهو معنى قوله تعالى : إن في ذلك لعبرة لمن يخشى يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى .
وقدم سبحانه : ذكر الآخرة على الأولى ليعلم أن ذلك العذاب أعني عذاب الغرق هو نكال الآخرة وهذا هو الفضل العظيم إنتهى وهو نص في إيمانه بل في كونه من الشهداء بناء على أن الموت غرقا شهادة للمومنين كماأجمع عليه أئمة الدين على خلاف في موت من قصر في تعلم السباحة غريقا هل يعد شهادة أم لا فإن بعض الشافعية ذهب إلى أن المقصر المذكور إذا مات غريقا عاصيا لاشهيدا وإنما الشهيد من مات كذلك وكان عارفا بالسباحة أو غير مقصر في تعلمها لكن لم يتعلم وكأن الشيخ قدس سرهلايقول بهذا التفصيل أو كان يعلم أن فرعون كان ممن يعلم السباحة أو ممن لم يقصر في تعلمها أو أنه يقول : إن الإيمان كفر عنه كل معصية قبله ومن جملة ذلك معصية التقصير مثلا التي هي دون قوله : أنا ربكم الأعلى و ماعلمت لكم من إله غيري بألف ألف مرتبة لكن لا أدري هل الغريق شهيد في شريعة موسى عليه السلام كما هو كذلك في شريعتنا أم هذا الأمر من خواص هذه الشريعة التي أنعم الله تعالى على أهلها بما أنعم كرامة لنبيها صلى الله تعالى عليه وسلم وقد ذهب قدس سره في كتابه فصوص الحكم إلى نحو ما ذهب إليه أخيرا في كتابه الفتوحات وقد إعترض عليه بذلك غير واحد وهو عندي ليس باعظم من قوله قدس سره بغيمان قوم نوح عليه السلام وكثير من إضرابهم ونجاتهم يوم القيامة وقد نص على ذلك في الفصوص والعجب أنه لم يكثر معترضوه في ذلك كثرتهم في القول بإيمان فرعون وقد إنتصر له بعض الناس ومنهم في المشهور الجلال الدواني وله رسالة في ذلك أتى فيها بما لا يعد شيئا عند أصاغر الطلبة لكن في تاريخ حلب للفاضل الحلبي كما قال مولانا الشهاب أنها ليست للجلال وإنما هي لرجل يسمى محمد بن هلال النحوي وقد ردها القزويني