تاب الله تعالى عليهم واستغفار الملأ الأعلى ودعائهم لهم .
وقسم الطائفة الأخرى إلى قسمين قسم أخرجهم من النار بالشفاعة وهم طائفة من المؤمنين وأهل التوحيد ماتوا ولم تكفر عنهم خطاياهم وقسم آخر أبقاهم في النار وهم المجرمون خاصة الذين يقولون لهم يومالقيامة : وامتازوا اليوم أيها المجرمون ولهم يقال : أهل النار لأنهم الدين يعمرونها وهم على أربع طوائف كلهم في النار لا يخرجون منها الطائفة الأولى المتكبرون على الله تعالى كفرعون وأشباهه ممن إدعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله تعالى فقال : ما علمت لكم من اله غيري وقال : أنا ربكم الأعلى يريد به مافي السماء غيري وكذلك نمروذ وغيره .
والثانية المشركون وهم الدين أثبتوا الله تعالى إلا أنهم جعلوا معه آلهة أخرى وقالوا : ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى والثالثةالمعطلة وهم الذين نفوا الإله جملة واحدة فلم يثبتوا للعالم إلها أصلا والرابعة المنافقون وهم الذين أطهروا الإيمان للقهر الذي حكم عليهم وهم في نفوسهم على ما هم عليه من إعتقادا إحدى هذه الطوائف الثلاث فهولاء الأصناف الأربعة هم أهل النار الذين لا يخرجون منها من الجن والإنس إنتهى وهو صريح فيما قلنا إلا أنه ذهب في موضع آخر من الكتاب المذكور إلى خلافه فقال في الباب السابع والستين ومائة ما حاصله : إنالله تعالى لما علم أنه قد طبع على كل قلب مظهر للجبروت والكبرياء وأن فرعون في نفسه أذل الأذلاء أمر موسى وهرون عليهما السلام أن يعاملاه بالرحمة واللين لمناسبة باطنه وإستنزال ظاهره من جبروته وكبريائه فقال سبحانه : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ولعل وعسى من الله تعالى واجبتان فتذكر بما يقابله من اللين والمسكنة ما هو عليهفي باطنه ليكون الظاهر والباطن على السواء فما زالت تلك الخميرة معهتعمل في باطنه مع الترجي الإلهي الواجب فيه وقوع المترجى ويتقوى حكمها إلى حين إنقطاع يأسه من إتباعه وحال الغرق بينه وبين أطماعه لجأ إلى ماكان مستترا في باطنه من الذلة والإفتقار ليتحقق عندالمؤمنين وقوع الرجاء الإلهي فقال : آمنت أنه لاإله إلا الذي آمنت بهبنو إسرائيل وأنا من المسلمين فرفع الإشكال من الإشكال كما قالت السحرة لما آمنت : آمنا برب العالمين رب موسى وهرون أي الذي يدعوان إليه فجاءت بذلك لدفع الإرتياب ورفع الإشكال وقوله : وأنا من المسلمين خطاب منه للحق تعالى لعلمه أنه سبحانه يسمعه ويراه فخاطبه الحق بلسان الغيب وسمعه آلآن أظهرت ما قد كنت تعلمه وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين لأتباعك وما قال له وأنت من المفسدين فهي كلمة بشرىله عرفنا بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ثم قال سبحانه : فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك آية أي علامة إذا قال ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع وأن إيمانه لم يقبل وإنما فيها أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزل به إذا آمن في حال نزوله إلا قوم يونس عليه السلام فقوله سبحانه : فاليوم ننجيك ببدنك بمعنى أن العذاب لا يتعلق إلا بظاهرك وقد أريت الخلق نجاته من العذاب فكان إبتداء الغرق عذابا فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم يتخللها معصية فقبض على أفضل عمل وهو التلفظ بالإيمان كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة الله تعالى والأعمال بخواتيمها فلم يزل الغيمان بالله تعالى يجول في باطنه وقد حال الطابع الإلهي الذاتي في الخلق بين الكبرياءواللطائف الإنسانية فلم يدخلها قط كبرياء وأما قوله تعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا فكلام محقق في غاية الوضوح فإن النافع هو الله تعالى فما نفعهم إلا