ولا يخفى أن حمل الرحمة على الرحمة الدنيوية بعيد ويكاد بأبى عنه ما أخرجه ابن جرير والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لي جبريل عليه السلام : لو رأيتني يا محمد وأنا أغط فرعون بإحدى يدي وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله تعالى فيغفر له فإنه رتب فيه المغفرة على إدراك الرحمة وهو ظاهر في أنه ليس المراد بها الرحمة الدنيوية لأن المغفرة لاتترب عليها وإنما يترتب عليها النجاة .
وقال بعض المحققين : إنما فعل جبريل عليه السلام ما فعل غضبا عليه لما صدر منه وخوفا أنه إذا كرر ذلك ربما قبل منه على سبيل خرق العادة لسعة بحر الرحمة الذي يستغرق كل شيء وأما الرضا بالكفر فالحق أنه ليس بكفر مطلقا بل إذا إستحسن وإنما الكفر رضاه بكفر نفسه كمل في التأويلات لعلم الهدى إنتهى وقد تقدم آنفا ما يتعلق بهذه المسألة فتذكره فما في العهد من قدم نعم قيل : إن الرضا بكفر نفسه إنما يكون وهو كافر فلا معنى لعده كفرا والكفر حاصل قبله وهو على ما له وما عليه بحث آخر لا يضر فيما نحن فيه .
والطيبي بعد أن أجاب أردف ذلك بقوله : على أنه ليس للعقل مجال في مثل هذا النقل الصحيح إلا التلسيم ونسبة القصور إلى النفس وقد يقال : إن الخبر متى خالف صريح العقل أو تضمن نسبة ما لا يتصور شرعا في حق شخص إليه ولم يمكن تأويله على وجه يوافق حكم العقل ويندفع به نسبةالنقص لا يكون صحيحا وإتهام الراوي بما يوهن أمر روايته أهون من إتهام العقل الصريح ونسبة النقص إليه دون نسبة النقص إلى من شهد الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه بعصمته وكماله فتأمل والله تعالى الموافق وقوله سبحانه : وقد عصيت قبل في موضع الحال من فاعل الفعل العامل في الظرف جيء به لتشديد التوبيخ والتقريع على تأخير الإيمان إلى هذا الآن ببيان أنه لم يكن تأخيره لما عسى يعد عذرا بل كان ذلك على طريقة الرد والإستعصاء والإفساد فإن قوله تعالى : وكنت من المفسدين 91 عطف على عصيت داخل في حيز الحال والتحقيق أي وقد كنت من المفسدين الغالين في الضلال والإضلال عن الإيمان فهذا عبارة عن فساده الراجع إلى نفسه والساري إلى غيره من الظلم والتعدى وصد بني إسرائيل عن السبيل والأول عن عصيانه الخاص به وقوله جل شأنه : فاليوم ننجيك ببدنك تهكم به وتخييب له وحسم لأطماعه بالمرة والمراد فاليوم نخرجك مماوقع فيه قومك من قعر البحر ونجعلك طافيا ملابسا ببدنك عاريا عن الروح إلا أنه عبر عن ذلك بالتنجية مجازا وجعل الجار والمجرور في موضع الحال من ضمير المخاطب لذلك مع ما فيه من التلويح بأن مراده بالإيمان هو النجاة وقيل : معنى الحال عاريا عن اللباس أو تام الأعضاء كاملها .
وجعل بعض الأفاضل الكلام على التجريد وجوز أن يكون الباء زائدة وبدنك بدل بعض من ضمير المخاطب كأنه قيل : ننجي بدنك وجعل الباء للآية ليكون على وزان قولك أخذته بيدك ونظرته بعينك إيذانا بحصول هذا المطلوب البعيد التناول وجه لكنه غير وجيه كما لا يخفى وقيل : التنجية الإلقاء على النجوة وهي المكان المرتفع قيل : وسمي به لنجاته عن السيل وإلى هذا مذهب يونس بن حبيب النحوي فقد أخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ عنه أنه قال : المعنى نجعلك على نحوة من الأرض كي يراك بنو إسرائيل فيعرفوا أنك قدمت وجاء تفسير البدن بالدرع وروي ذلك عن محمد بن كعب وأبي وكانت له درع من