وهرون للإشعار برجوعه عن الإستعصاء وإتباعه لمن كان يستتبعهم طمعا في القبول والإنتظام معهم في سلك النجاة وأنا من المسلمين 90 أي الذين أسلموا نفوسهم لله تعالى أي جعلوها خالصة سالمة له سبحانه وأراد بهم إما بني إسرائيل خاصة وإما الجنس وهم إذ ذاك داخلون دخولاأوليا والظاهر أن الجملة على التقديرين معطوفة على جملة آمنت وإيثار الإسمية لإدعاء الدوام والإستمرار .
وقيل : إنها على الأول معطوفة وعلى الثاني تحتمل الحالية أيضا من ضمير المتكلم أي آمنت مخلصا لله تعالى منتظما في سلك الراسخين في ذلك ولقد كرر المعنى الواحد بثلاث عبارات وبالغ ما بالغ حرصا على القبول المقتضى للنجاة وليت بعض ذلك قد كان حين ينفعه الإيمان وذلك قبل اليأس فإن إيمان اليأس غير مقبول كما عليه الإئمة الفحول ءالآن الإستفهام للإنكار والتوبيخ والظرف متعلق بمحذوف يقدر مؤخرا أي آلآن تومن حين يئست من الحياة وأيقنت بالممات وقدر مؤخرا ليتوجه الإنكار والتوبيخ إلى تأخير الإيمان إلى حد يمتنع قبوله فيه والكلام على تقدير القول أي فقيل له ذلك وهو معظوف على قال وهذا إلى آية حكاية لما جرى منه سبحانه من الغضب على المخذول ومقابلة ما أظهره بالرد الشنيع وتقريعه بالعصيان والإفساد إلى غير ذلك وفي حذف الفعل المذكور وإبراز الخبر المحكى في صورة الإنشاء من الدلالة علىعظم السخط وشدة الغضب ما لا يخفى والقائل له ذلك فقيل : هو الله تعالى وقيل : هو جبريل عليه السلام وقيل : إنه ميكائيل عليه السلام فقد أخرج أبو الشيخ عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال لي جبريل عليه السلام : ما أبغضت شيئا من خلق الله تعالى ما أبغضت إبليس يوم أمر بالسجود فأبى أن يسجد وماابغضت شيئا أشد بغضا من فرعون فلما كان يوم الغرق خفت أن يعتصم بكلمة الإخلاص فينجو فأخذت قبضة من حمأة فضربت بها في فيه فوجدت الله تعالى عليه أشد غضبا مني فأمر ميكائيل فأتاه فقال آلآن الخ وماتضمنه هذا الخبر من فعل جبريل عليه السلام جاء في غير ما خبر ومن ذلك ما أخرجه الطيالسي وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب والترمذي والحاكم وصححاه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلّم قال لي جبريل : لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في في فرعون مخافة أن تدركه الرحمة وغستشكل هذا التعليل .
وفي الكشاف أن ذلك من زيادات الباهتين لله تعالى وملائكته عليهم السلام : وفيه جهالتان : إحداهما أن الإيمان يصح بالقلب كإيمان الاخرس فحال البحر لا يمنعه والاخرى أن من كره إيمان الكافر وأحب بقاءه علىالكفر فهو كافر لأن الرضا بالكفر كفر وإرتضاه ابن المنير قائلا : لقد أنكر منكرا وغضب لله تعالى وملائكته عليهم السلام كما يجب لهم والجمهور على خلافه لصحة الحديث عند الأئمة الثقات كالترمذي المقدم على المحدثين بعد مسلم وغيره وقد خاضوا في بيان المراد منه بحيث لا يبقى فيه إشكال .
ففي إرشاد العقل السليم أن المراد بالرحمة الرحمة الدنيوية أي النجاة التي هي طلبة المخذول وليس من ضرورة إدراكها صحة الإيمان كما في إيمان قوم يونس عليه السلام حتى يلزم من كراهته ما لا يتصور في شأن جبريل عليه السلام من الرضا بالكفر إذ لا إستحالة في ترتب هذه الرحمة على مجرد التفوه بكلمة الإيمان وان كان ذلك في حالة البأس واليأس فيحمل دسه عليه السلام على سد باب الإحتمال البعيد لكمال الغيظ وشدة الحرد إنتهى