جعلناهم مجاورين البحر بأن جعلناه يبسا وحفظناهم حتى بلغوا الشط وقرأ الحسن وجوزنا بالتضعيف وفعل بمعنى فاعل فهو من التجويزالمرادف للمجاورة بالمعنى السابق وليس بمعنى نفذ لأنه لا يحتاج إلىالتعدية بالباء ويتعدى إلى المفعول الثاني بفي كما في قوله : ولا بد من جار يجيز سبيلها كما جوز السكي في الباب فيتق فكان الواجب هنا من حيث اللغة أن يقال : وجوزنا بني إسرائيل البحر أي نفذناهم وأدخلناهم فيه وفي الآية إشارة إلى إنفصالهم عن البحر وإلى مقارنة العناية الإلهية لهم عند الجواز كما هو المشهور في الفرق بين أذهبه وذهب به فأتبعهم قال الراغب : يقال تبعه وأتبعه إذا قفا أثره إما بالجسم أو بالإرتسام والإئتمار وظاهره أن الفعلين بمعنى .
وقال بعض المحققين : يقال تبعته حتى أتبعته إذا كان سبقك فلحقته فالمعنى هنا أدركهم ولحقهم فرعون وجنوده حتى تراءت الفئتان وكاد يجتمع الجمعان بغيا وعدوا أي ظلما وإعتداء وهما مصدران منصوبان علىالحال بتأويل إسم الفاعل أي باغين وعادين أو على المفعولية لأجله أي للبغي والعدوان .
وقرأ الحسن وعدوا بضم العين والدال وتشديد الواو وذلك أن الله سبحانه وتعالى لما أخبر موسى وهرون عليهما السلام بإجابة دعوتهما أمر موسى عليه السلام بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلا وكانوا كما ذكره غير واحد ستمائة ألف فخرج بهم على حين غفلة من فرعون وملئه فلما أحس بذلك خرج هو وجنوده على أثرهم مسرعين فإلتفت القوم فإذا الطامة الكبرى وراءهم فقالوا : يا موسى هذا فرعون وجنوده وراءنا وهذا البحر أمامنا فكيف الخلاص فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فإنفلق إثني عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم وصار لكل سبط طريق فسلكوا ووصل فرعون ومن معه إلى الساحل وهم قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله بمن معه أجمعين فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج غشيهم من اليم ما غشيهم حتى إذا أدركه الغرق أي لحقه والمراد بلحوقه إياه وقوعه فيه وتلبسه بأوائله وقيل : معنى أدركه قارب إدراكه كجاء الشتاء فتأهب لأن حقيقة اللحوق تمنعه من القول الذي قصه سبحانه بقوله جل شأنه : قال ءامنت إلخ من الناس من أبقى الإدراك على ظاهره وحمل القول على النفسي وزعم أن الآية دليل على ثبوت الكلام النفسي ونظر فيه بأن قيام الإحتمال يبطل صحة الإستدلال وأياما كان فليس المراد الإخبار بإيمان سابق كما قيل بل إنشاء إيمان أنه لا إله إلا الذي ءامنت به بنوا إسرائيل أي بأنه وقدر الجار لأن الإيمان وكذا الكفر متعد بالباء ومحل مدخوله بعد حذفه الجر أوالنصب فيه خلاف شهير وجعله متعديا بنفسه فلا تقدير لأنه في أصل وضعه كذلك مخالفة للإستعمال المشهور فيه : وقرأ حمزة والكسائي إمه بالكسر على إضمار القول أي وقال إنه أو على الإستئناف لبيان إيمانه أو الإبدال من جملة آمنت والجملة الإسمية يجوز إبدالها من الفعلية والغستئناف على البدلية بإعتبار المحكى لا الحكاية لأن الكلام في الأول والجملة الأولى في كلامه مستأنفة والمبدل من المستأنف مستأنف والضمير للشأن وعبر عنه تعالى بالموصول وجعل صلته إيمان بني إسرائيل به تعالى ولم يقل كما قال السحرة آمنا برب العالمين رب موسى