ألا إن لله من في السموات ومن في الأرض أي إن كل من في ذلك تحت ملكه سبحانه وتصرفه وقهره لا يقدرون على شيء من غير إذنه فهو كالتأكيد لما أفادته الآية السابقة أو أن من فيها من الملائكة والثقلين الذين همأشرف المكنات عبيد له سبحانه لا يصلح أحد منهم للربوبية فما لا يعقل أحق بأن لا يصلح لذلك فهو كالدليل على قوله سبحانه : وما يتبع الدين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا ما يتوهمونه ويتخلونه شريكا ولا شركة له في الحقيقة هو الدي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه إشارة إلى سكون العشاق والمشتاقين في الليل إذا مد أطنابه ونشر جلبابه وميلهم إلى مناجاة محبوبهم وإنجذابهم إلى مشاهدة مطلوبهم وتلذذهم بما يرد عليهم من الواردات الإلهية وإستغراقهم بأنواع التجليات الربانية ومن هنا قال بعضهم : لولا الليل لما أحببت البقاء في الدنيا وهذه حالة عشاق الحضرة وهم العشاق الحقيقيون نفعنا الله تعالى بهم وأنشد بعض المجازيين : أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني بالليل والهم جامع نهاري نهار الناس حتى إذا بدا لي الليل هزتني إليك المضاجع والنهار مبصرا أي ألبسه سربال أنوار القدرة لتقضوا فيها حاجاتكم الضرورية وقيل : الإشارة بذلك إلى ليل الجسم ونهار الروح لتبصروا به حقائق الأشياء وما تهتدون به إن في ذلك لقوم يسمعون كلام الله تعالى فيقيمون بواطنه وحدوده ويطلعون به على صفاته وأسمائه سبحانه وقالوا اتخذ الله ولدا أي معلو لا يجانسه سبحانه أي أنزهه جل وعلامن ذلك هو الغني الذي وجوده بذاته وجود كل شيء وذلك ينافي الغني وأكد غناه جل شأنه لبقوله تعالى : له ما في السموات الخ وقوله سبحانه : واتل عليهم نبأ نوح إلخ أمر له صلى الله عليه وسلّم أن يتلو عليهم نبأ نوح عليه السلام في صحة توكله على الله تعالى ونظره إلى قومه وشركائهم بعين الغنى وعدم المبالاة بهم وبمكايدهم ليعتبروا به حاله E فإن الأنبياء عليهم السلام في ملة التوحيد والقيام بالله تعالى وعدم الإلتفات إلى الخلق سواء أو أمر له صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يتلو نبأ نوح مع قومه ليتعظ قومه وينرجروا عما هم عليه مما يفضي إلى إهلاكهم وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله أي إيمانا حقيقا فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين أي منقادين أي إن صح إيمانكم يقينا فعليه توكلوا بشرط أن لا يكون لكم فعل ولا تروا لأنفسكم ولا لغيركم قوة ولا تأثير بل تكونوا منقادين كالميت بين يدي مغسلة فإن شرط صحة التوكل فناء بقايا الافعال والقوى قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما أي على ماأنتما عليه من الدعوة شكرا لتلك الإجابة وقيل : أي إستقيما على معرفتكما مقام السؤال وهو مقام الرضوان ليستجاب لكما بعد إذا دعوتما فإن من لم يعرف مقام السؤال قد يوقعه في غير مقامه فيسيء الأدب فلا يستجاب له وقيل : إن هذا عتاب لهما عليهما السلام أي قد أجيب دعوتكما لضعفكما عن تحمل وارد إمتحاني فإستقيما بعد ذلك على تحمل بلائي والصبر فيه فإنه اللائق بشأنكما وقد قيل : المعرفة تقتضي الرضا بالقضاء والسكون في البلاء وقيل : أي إستقيما في دعائكما والإستقامة في الدعاء على ماقال ذو النون المصري أن لا يغضب الداعي لتأخير الغجابة ولا يسأل سوال خصوص نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى وجاوزنا ببني إسرائيل البحر من جاوز المكان إذا قطعه وتخطاه وهو متعد إلى المفعول الأول الذي كان فاعلا في الأصل بالباء وإلى الثاني بنفسه والمعنى