لما ينتفعون به ولكل أمة رسول من جنسهم ليتمكنوا من الإستفاضة منه فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بإنجاء من إهتدى به وإثابته وإهلاك من أعرض عنه وتعذيبه لظهور أسباب ذلك بوجوده وهم لا يظلمون فيعاملوابخلاف ما يستحقون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين إنكار للقيامة لإحتجابهم بما هم فيه من الكثافة قل لا أملك نفعا ولا ضرا إلاما شاء الله سلب لإستقلاله في التأثير وبيان لأنه لا يملك إلا ما أذن اللهتعالى فيه وهذا نوع من توحيد الأفعال وفيه إرشاد لهم بأنه لا يملك إستعجال ما وعدهم به ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم أي تزكية لنفوسكم بالوعد والوعيد والزجر عن الذنوب المتسببة للعقاب والتحريض على الطاعة الموجبة بفضل الله تعالى للثواب وشفاء لما في الصدور أي دواء للقلوب من أمراضها التي هي أشد من أمراض الأبدان كالشك والنفاق والحسد والحقد وأمثال ذلك بتعليم الحقائق والحكمالموجبة لليقين والتصفية والتهيء لتجليات الصفات الحقة وهدى لأرواحكم إلى الشهود الذاتي ورحمة بإفاضة الكمالات اللائقة بكل مقام من المقامات الثلاثة بعد حصول الإستعداد في مقام النفس بالموعظة ومقامالقلب بالتصفية ومقام الروح بالهداية للمؤمنين بالتصديق أولا ثم باليقين ثانيا ثم بالعيان ثالثا .
وذكر بعضهم الموعظة للمريدين والشفاء للمحبين والهدى للعارفين والرحمة للمستأنسين والكل مؤمنون إلا أن مراتب الإيمان متفاوتة والخطاب في الآية لهم وفيها إقامة الظاهر مقام المضمر ويقال : إنه سبحانه بدأ بالموعظة لمريض حبه لأنها معجون لإسهال شهواته فإذا تطهر عن ذلك يسقيه شراب ألطافه فيكون ذلك شفاء له مما به فإذا شفي يغذيه بهدايته إلى نفسه فإذا كمل بصحبته يطهره بمياه رحمته من وسخ المرض ودرن الإمتحان قل بفضل الله بتوفيقه للقبول في المقامات وبرحمته بالمواهب الخلقية والعملية والكشفية فيها فبذلك فليفرحوا لا بالأمور الفانية القليلة المقدارالدنية القدر هو خير مما يجمعون من الخسائس والمحقرات وفسر بعضهم الفضل بإنكشاف صباح الأزل لعيون أرواح المريدين وزيادة وضوحه في لحظة حتى تطلع شموس الصفات وأقمار الذات فيطيرون في أنوار ذلك بأجنحة الجذبات إلى حيث شاء الله تعالى والرحمة بتتابع مواجيد الغيوب للقلوب بنعت التفريد بلا إنقطاع من هنا قال ضرغام أجمة التصوف أبو بكر الشبلي قدس سره : وقتى سرمد وبحري بلا شاطىء وقيل : فضله الوصال ورحمته الوقاية عن الإنفصال وقيل : فضله إلقاء نيران المحبة في قوب المريدين ورحمته جذبه أرواح المشتاقين وقيل : فضله سبحانه على العارفين كشف الذات وعلى المحبين كشف الصفات وعلى المريدين كشف أنوار الآيات ورحمته جل شأنه على العارفين العناية وعلىالمحبين الكفاية وعلى المريدين الرعاية وقال الجنيد : فضل اللهتعالى في الإبتداء ورحمته في الإنتهاء وهو مناسب لما قلنا وقال الكتاني : فضل الله تعالى النعم الظاهرة ورحمته النعم الباطنة وقيل غير ذلك قل أرأيتم ما أنزل الله لكم أي أخبروني ما أنزل اللهسبحانه من رزق معنوي كالمعارف الحقانية وكالآداب الشرعية فجعلتم منه حراما كالقسم الأول حيث أنكرتموه على أهله ورميتموه بالزندقة وحلالا كالقسم الثاني حيث قبلتموه قل الله أذن لكم في الحكم بالتحليل والتحريم أم على الله تفترون في ذلك ثم أنه سبحانه أوعد المفترين بقوله عز من قائل : وما ظن الذين يفترون إلخ ففي الآية إشارة إلى سوء حال المنكرين على من تحلى بالمعارف الألهية ولعل منشأ ذلك زعمهم إنحصار العلم