الحقيقة وإن سموها شركاء لجهلهم فالمراد سلب الصفة في الحقيقة ونفس الأمر فما ذكره أبو البقاء من عدم جواز هذا الوجه من الإعراب لأنه يدلعلى نفي إتباعهم الشركاء مع أنهم إتبعوهم ناشيء من الغفلة عما ذكرنا وجوز أن يكون شركاء المذكور مفعول يدعون ويكون مفعول يتبع محذوفا لإنفهامه من قوله سبحانه : أن يتبعون إلا الظن أي ما يتبعون يقينا وإنما يتبعون ظنهم الباطل أو ظنهم أنها شركاء بتقدير معمولالظن أو تنزيله منزلة اللازم وقدر بعضهم مفعول يتبعون شركاء ميلاإلى إعمال الثاني في التنازع وتعقب بأنه لا يصح أن يكون من ذلك الباب لأن مفعول الفعل الأول مقيد دون الثاني فلا يتحد المعمول والإتحاد شرط في ذلك وكون التقييد عارضا بعد الأعمال بقرينة عامله فلا ينافي ما شرط في الباب بالباب كما لا يخفى وجوز أيضا أن تكون ما إستفهامية منصوبة بيتبع و شركاء مفعول يدعون أي أي شيء يتبعالمشركون أي ما يتبعونه ليس بشيء وأن تكون موصولة معطوفة على من أي وله تعالى ما يتبعه المشركون خلقا وملكا فكيف يكون شريكا لهسبحانه وتخصيص ذلك بالذكر مع دخوله فيما سبق عبارة أو دلالة للمبالغة في بيان بطلان الإتباع وفساد مابنوه عليه من الظن الذي هو الفساد بمكان وجوز على إحتمال الموصولية أن تكون مبتدأ خبره محذوف أي باطل ونحوه أو الخبر قوله سبحانه : أن يتبعون والعائد محذوف أي في عبادته أو إتباعه .
وقرأ السلمي تدعون بالتاء الخطابية وروي ذلك عن علي كرم اللهوجهه وهي قراءة متجهة خلافا لزاعم خلافه فإن ما فيها إستفهامية للتبكيت والتوبيخ والعائد على الذين محذوف و شركاء حال منه والمراد من الذين الملائكة والمسيح وعزير عليهم الصلاة والسلام فكأنه قيل : أي شيء يتبع الذين تدعونهم حال كونهم شركاء في زعمكم من الملائكة والنبيين تقريرا لكونهم متبعين لله تعالى مطيعين له وتوبيخا لهم على عدم إقتدائهم بهم في ذلك كقوله سبحانه : أولئك الذين تدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة وحاصله أن الذين تعبدونهم يعبدون الله تعالى ولا يعبدون غيره فمالكم لا تقتدون بهم ولا تتبعونهم في ذلك ثم صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة فقيل : إن يتبع هؤلاء إلا الظن لايتبعون ما يتبعه الملائكة والنبيون عليهم السلام من الحق وإن هم إلا يخرصون 66 أي يحرزون ويقدرون أنهم شركاء تقديرا باطلا أو يكذبون فيما ينسبونه إليه سبحانه وتعالى على أن الخرص إما بمعنى الحرز والتخمين كما هو الأصل الشائع فيه وإما بمعنى الكدب فإنه جاء إستعماله في ذلك لغلبته في مثله .
هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا تنبيه على تفرده تعالى بالقدرة الكاملة والنعمة الشاملة ليدلهم على توحده سبحانه بإستحقاق العبادة فتعريف الطرفين للقصر وهو قصر تعيين وفي ذلك أيضا تقرير لما سلف من كون جميع الموجودات الممكنة تحت قدرتهوملكته المفصح عن إختصاص العزة به سبحانه .
والجعل إن كان بمعنى الإبداع والخلق فمبصرا حال وإن كان معنى التصيير فلكم المفعول الثاني أو حال كما في الوجه الأول فالمفعول الثاني لتسكنوا فيه أو هو محذوف يدل عليه الفعول الثاني من الجملة الثانية كما أن العلة الغائية منها محذوفة إعتمادا على ما في الأولى والتقدير هو الذي جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتتحركوا فيه لمصالحكم فحذف من كل ما ذكر في الآخر إكتفاء بالمذكور عن المتروك وفيه على هذا صنعة الإحتباك والآية شائعة في التمثيل بها لذلك وهو الظاهر فيها وإن كان أمرا غير ضروري ومن هنا ذهب جمع إلىأنه لا إحتباك فيها والعدول عن لتبصروا فيه الذي يقتضيه ماقبل إلىما في النظم الجليل