على ما قيل أي جزاء الذين كسبوا السيئات أن تجازى سيئة واحدة بسيئةمثلها على معنى عدم الزيادة بمقتضى العدل وإلا فلا مانع عن العفوبمقتضى الكرم لكن ذلك في غير الشرك ويجوز أن يكون جزاء سيئة بمثلهاجملة من مبتدأ وخبر هي خبد المبتدأ وحينئذ لا حاجة إلى تقدير المضاف لكن العائد محذوف أي جزاء سيئة منهم بمثلها على حد السمن منوان بدرهم .
وأجاز أبو الفتح أن يكون جزاء مبتدأ محذوف الخبر أي لهم جزاء سيئةبمثلها وحذف لهم لقرينة للذين أحسنوا والجملة خبر الذين كسبوا وحينئذ لا حاجة إلى تقدير عائد كما لا حاجة إلى تقدير مضاف وجوز غيرواحد أن يكون الذين عطفا على الذين المجرور الذي هو مع جاره خبروجزاء سيئة معطوف على الحسنى الذي هو المبتدأ وفي ذلك العطف على معمولي عاملين مختلفين وفيه مذاهب المنع مطلقا وهو مذهب سيبويه والجواز مطلقا وهو مذهب الفراء والتفصيل بين أن يتقدم المجرور نحو في الدار زيد والحجرة عمرو فيجوز أو لا فيمتنع والمانعون يحملون نحوهذا المثال على إضمار الجار ويجعلونه مطردا كقوله : أكل امرىء تحسبين امرا ونار توقد بالليل نارا وقيل : هو مبتدأ والخبر جملة مالهم من الله من عاصم أو كأنما أغشيت أو أولئك أصحاب النار وما في البين إعتراض وفي تعدد الإعترا خلاف بين النحويين و جزاء سيئة حينئذ مبتدأ و بمثلها متعلق به والخبر محذوف أي واقع أو بمثلها هو الخبر على أن الباءزائدة أو الجار والمجرور في موضع الخبر على أن الباء غير زائدة والأولى تقدير المتعلق خاصا كمقدر ويصح تقديره عاما والقول بأنه لامعنى له حاصل وهم ظاهر وأيا ما كان لا دلالة في الآية على أن الزيادةهي الفضل دون الرؤية وقد علمت أن تفسيرها بذلك هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلّم وجملة من السلف الصالح فلا ينبغي العدول عنه لما يتراءى منه خلافهلا سيما وقد أتى الإمام وغيره بدلائل جمة على أن المراد بها ذلك ولميؤت بالآيتين على أسلوب واحد لمراعاة ما بين الفريقين من كمال التنائيوالتباين وإيراد الكسب للإيذان بأن ذلك إنما هو بسوء صنيعهموجنايتهم على أنفسهم وترهقهم ذلة أي هوان عظيم فالتنوين هناللتفخيم على عكس التنوين فيما كما أشرنا إليه وفي إسناد الرهق إلى أنفسهم رون وجوههم إيذان بأنها محيطة بهم غاشية لهم .
وقريء يرهقهم بالياء التحتانية لكون الفاعل ظاهرا وتأنيثه غيرحقيقي وقيل : التذكير بإعتبار أن المراد من الذلة سببها مجازا ولا يحتاج إليه كما لا يخفى لأن التذكير في مجازي التأنيث لا سيما المفصول كثير جدا .
والواو على ما قال غير واحد للعطف وما بعده معطوف على كسبوا وضعفه أبو البقاء بأن المستقبل لا يعطف على الماضي وأجيب بالمنع وفيالعطف ههنا ما لا يخفى من المبالغة حيث أخرج نسبة الرهق إليهم يوم القيامة مخرج المعلوم حيث جعل ذلك بواسطة العطف صلة الموصول وقيل : إنه عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل : والذين كسبوا السيآت تجازى سيئتهم بمثلها وترهقهم ذلة ولعله أولى من الأول وأما جعل الواو حالية والجملة في موضع الحال من ضمير كسبوا فلا يخفى حاله ما لهم من الله من عاصم أي ما لهم أحد يعصمهم ويمنعهم من سخط الله تعالى وعذابه فمن الأولى متعلقة بعاصم والكلام على حذف مضاف و من الثانية زائدة لتعميم النفي أو ما لهم من جهته وعنده تعالى من يعصمهم كما يكون للمؤمنين فمن الأولى متعلقة بمحذروف وقع