وأجيب بأنا لا نسلم أن عنادهم هو الصارف وقد يجاب المعاند والآية وإن دلت على بقائهم على العناد وإن جاءت لم تدل على أن العناد هو الصارف .
وإختار بعض المحققين أن ما قترحتموه وزعمتم أنه من لوازم النبوة وعلقتم إيمانكم بنزوله من الغيوب المختصة به سبحانه لا وقوف لي عليه فإنتظروا نزوله إني معكم من المنتظرين لما يفعل الله تعالى بكم لاجترائكم على مثل هذه العظيمة من جحود الآيات وإقتراح غيرها وإعترض على ماقيل بأنه يأباه ترتيب الأمر بالإنتظار على إختصاص الغيب به تعالى والذي يخطر بالبال أن سؤال القوم قاتلهم الله تعالى متضمن لدعوى أن الصلاح في إنزال آية مما إقترحوا حيث لم يعتبروا ما نزل ولم يلتفتوا إليه فكأنهم قالوا : لا صلاح في نزول ما نزل وإنما الصلاح في إنزال آية مما نقترح فلولا نزلت وفي ذلك دعوى الغيب بلا ريب فأجيبوا بأن الغيب مختص بالله فهو الذي يعلم ما به الصلاح لا أنتم ولا غيركم ثم قال سبحانه : فانتظروا إلخ على معنى وإذا كان علم الغيب مختصا بالله تعالى وقد إدعيتم من ذلك ما إدعيتم وطعنتم فيما طعنتم فإنتظروا نزول العذاب بكم إني معكم من المنتظرين إياه ولا يرد على هذا ما أورد على غيره ولا ما عسى أن يورد أيضا فتأمل .
وإذا أذقنا الناس رحمة كالصحة والسعة من بعد ضراء مستهم أي خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم وإسناد المساس إلى الضراء بعدإسناد الإذاقة إلى ضمير الجلالة من الآداب القرانية كما في قوله تعالى : وإذا مرضت فهو يشفين ونظائره وينبغي التأدب في ذلك ففي الخبر اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك والمراد بالناس كفار مكةعلى ما قيل لما روى أن الله تعالى سلط عليهم القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون فطلبوا منه صلى الله عليه وسلّم أن يدعو لهم بالخصب ووعدوه بالإيمان فلما دعا لهم ورحمهم الله تعالى بالحياء طفقوا يطعنون في آياته تعالى ويعاندونه E ويكيدونه وذلك قوله سبحانه : إذا لهم مكر في ءايتنا أي بالطعن فيها وعدم الإعتداد بها والإحتيال في دفعها والظاهر أن المراد بالآيات الأيات القرآنية وقيل : المراد بها الآيات التكوينية كإنزال الحياء ومكرهم فيها إضافتها إلى الأصنام والكواكب وقيل : إن الناس عام لجميع الكفار ولا يجوز حمله على ما يشمل العصاة كما لا يخفى وكانت العرب تضيف الأمطار وكذا الرياح والحر والبرد إلى الأنواء وهو جميع نوء مصدرناء ينوء إذا نهض بجهد ومشقة ويقال ذلك أيضا إذا سقط فهو من الأضداد ويطلق على النجم الذي هو أحد المنازل الثمانية والعشرين التي ذكرناها فيما سبق وهو المراد في كلامهم إلا أن الإضافة إليه بإعتبار سقوطه مع الفجر وغروبه كما هو المشهور أو بإعتبار طلوعه ذلك الوقت كما قال الأصمعي .
وقد عد القائل بتأثير الأنواء كافرا فقد روى الشيخان وأبو داود والنسائي عن زيد بن خالد قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال الله تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافربالكوكب وكافر بي ومؤمن بالكوكب فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب ولعل كون ذلك من الكفر بالله تعالى مبني علىزعم أن للكواكب تأثيرا إختياريا ذاتيا في ذلك وإلا فإعتقاد أن التأثيرعندها لا بها كما هو المشهور من مذهب الأشاعرة في سائر الأسباب ليس بكفر كما نص عليه العلامة ابن حجر وكذا إعتقاد أن التأثير بها على معنى