وتقييد الإدراء بذلك هو الذي يقتضيه المقام وحيث إقتصر بعضهم في تقدير المفعول في الشرط على عدم التلاوة علل التقييد بأن عدم الإعلام مطلقا ليس من لوازم الشرط الذي هو عدم مشيئة تلاوته E فلا يجوز نظمه في سلك الجزاء ولم يظهر وجه الإقتصار على ذلك وعدم ضم عدم الإدراء إليه مع أن العطف ظاهر فيه وفي إسناد عدم الإدراء إليه تعالى المنبىء عن إستناد الإدراء إليه سبحانه أعلام بأنه لا دخل له E في ذلك حسبما يقتضيه المقام أيضا وفي رواية أبي ربيعة عن ابن كثير ولأدراكم بلام التوكيد وهي الواقعة في جواب لو أي لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لسان غيري على معنى أنه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به غيري وجيء باللام هنا للإيذان بأن إعلامهم به على لسان غيره صلى الله تعالى عليه وسلم أشد إنتفاء وأقوى ولعل لا في القراءة الأولى لأنه يغتفر في التابع مالا يغتفر في التبوع وإلا فهي لا تقع في جواب لو فلا يقال : لوقام زيد لا قام عمرو بل ما قام ومن هنا نص السمين على أنها زائدة مؤكدة للنفي وروى عن ابن عباس والحسن وابن سيرين أنهم قرأوا ولا أدرأتكم بإسناد الفعل إلى ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم كالفعل السابق والأصل ولا أدريتكم فقلبت الياء ألفا على لغة من يقلب الياء الساكنة المفتوح ماقبلها ألفا وهي لغة بالحرث بن كعب وقبائل من اليمن حتى قلبوا ياء التثنية ألفا وجعلوا المثنى في جميع الأحوال على لفظ واحد وحكى ذلك قطرب عن عقيل .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن الحسن أنه قرأ ولا أدرأتكم بهمزة ساكنة فقيل : إنها مبدلة من الألف المنقلبة عن الياء كما سمعت وقيل : إنها مبدلة من الياء إبتداء كما يقال في لبيت لبئت وعلى القولين هي غير أصلية وجاء ذلك في بعض اللغات كما نص عليه غير واحد وجوز أن تكون أصلية على أن الفعل من الدرء وهو الدفع والمنع ويقال أدرأته أي جعلته درائا أي دافعا والمعنى ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرءوننى بالجدال وقرىء ولا أدراكم بالهمز وتركه أيضا مع إسناد الفعل إلى ضمير الله تعالى وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مان يقرأ ولا أنذرتكم به فقد لبثت فيكم عمرا نوع تعليل للملازمة المستلزمة لكون ذلك بمشيئة الله D حسبما مر آنفا واللبث الإقامة ونصب عمرا على التشبيه بظرف الزمان والمراد منه مدة وقيل : هو على تقدير مضاف أي مقدار عمر وهو بضم الميم وقرأ الأعمش بسكونها للتخفيف والمعنى قد أقمت فيما بينكم مدة مديدة وهي مقدرا أربعين سنة تحفظون تفاصيل أحوالي وتحيطون خبرا بأقوالي وأفعالي من قبله أي من قبل نزول القرآن أو من قبل وقت نزوله ورجوع الضمير للتلاوة ليس بشيء لا اتعاطي شيئا مما يتعلق بذاك لا من حيث نظمه المعجز ولا من حيث معناه الكاشف عن أسرار الحقائق وأحكام الشرائع أفلا تعقلون 16 أي ألا تلاحظون ذلك فلا تعقلون إمتناع صدوره عن مثلي ووجوب كونه منزلا من عند الله العزيز الحكيم فان ذلك غير خاف على من له عقل سليم وذهن مستقيم بل لعمري أن من كان له أدنى مسكة من عقل إذا تأمل في أمره صلى الله عليه وسلّم وأنه نشأ فيما بينهم هذا الدهر الطويل من غير مصاحبة العلماء في شأن منلا الشؤون ولا مراجعة إليهم في فن من الفنون ولا مخالطة