لما مر وقالوا : لو شئنا لقلنا مثل هذا مكابرة وعنادا ثم أن الظاهر أنهم اقترحوا التبديل والاتيان بطريق الافتراء قيل : لا مساغ للقول بأنهم اقترحوا ذلك من جهة الوحي فكأنهم قالوا : ائت بقرآن غير هذا أو بدله من جهة الوحي كما أتيت بالقرآن من جهته ويكون معنى قوله : مايكون لي الخ مايتسهل لي ولا يمكنني أن أبدله لما في الكشاف من أن قوله : : إني أخاف إن عصيت ربي يرد ذلك ووجه بأنهم لم يطلبوا ماهو عصيان على هذا ألتقدير حتى يقول في جوابهم ماذكر ونظر فيه بأن الطلب من غير أذن عصيان فإن لم يحمل مايتسهل لي على أن ذلك لكونه غير مأذون كان الجواب غير مطابق لسؤالهم لأن السؤال عن تبديل من الله تعالى وهو E قال : لا يمكنني التبديل من تلقاء نفسي في الجواب وإن حمل عليه فالعصيان أيضا منزل عليه وأجيب بأن صاحب الكشاف حمل مايكون على أنه لايمكن ولا يتسهل والعصيان يقع على الممكن المقدور لاأنهم طلبوا ماهو عصيان أو ليس والمطابقة حاصلة بل أشدها لأن الحاصل أما التبديل من تلقاء نفسي فغير ممكن وأما من قبل الوحي فأنا تابع غير متبوع نعم لا ينكر أنه يمكن أن يأتى وجه آخر بأن يحمل على أنه لايحل لي ذلك دون أذن وصاحب الكشاف لم ينفه .
وذكر بعض المحققين أنه لامساغ لحمل مقترحهم على ماهو من جهة الوحي لمكان التعليل بإني أخاف إلخ إذ المقصود بما ذكر فيه معصية الإفتراء كما يرشد إلى ذلك صريح مابعده من الآيتين الكريمتين وحينئذ لايتحقق فيه تلك المعصية ومعصية إستدعاء تبديل مااقتضته الحكمة التشريعية لا سيما بموجب لقتراح الكفرة ليست مقصودة فلا ينفع تحققها وهو كلام وجيه يعلم منه مافي الكلام السابق من النظر بقي أنه يفهم من بعض الآثار أنهم طلبوا الإتيان من جهة الوحي فعن مقاتل أن الآية نزلت في خمسة نفر عبدالله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبدالله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم : إن كنت تريد أن نؤمن لك فائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومنات وليس فيه عيبها وإن لم ينزل اله تعالى عليكفقل أنت من نفسك أو بدله فإجعل مكان آية عذاب آية رحمة ومكان حرام حلالا ومكان حلال حراما وربما يقال : إن هذا على تقدير صحته لا يأبى أن يكون مافي الآية ماأشار اليه تالى الشرطية الثانية من كلامهم فتدبر وقوله سبحانه : قل لوشاء الله ماتلوته عليكم تحقيق لحقية القرآن وأنه من عنده سبحانه إثر بيان بطلان ماإقترحوه على أتم وجه وصدر بالأمر المستقل إظهارالكمال الإعتناءبشأنه وإيذانا بإستقلاله مفهوما وأسلوبا فإنه برهان دال على كونه بأمر الله تعالى ومشيئته كما ستعلمه إن شاء الله تعالى وماسبق مجرد إخبار بإستحالة ماإقترحوه ومفعول المشيئة محذوف ينبيء عنه الجزاء كما هو المطرد في أمثاله ويفهم من ظاهر كلام بعضهم أنه غير ذلك وليس بذلك وهو ظاهر والمعنى أن الأمر كله منوط بمشيئته تعالى وليس لي منه شيء أصلا ولو شاء سبحانه عدم تلاوتي له عليكم وعدم إدرائكم به بواسطتي بأن لم ينزله جل شأنه علي ولم يأمرني بتلاوته ماتلوته عليكم ولا أدراكم به أي ولا أعلمكم به بواسطتي والتالي وهو عدم التلاوة والإدراء منتف فينتفي المقدم وهو مشيئته العدم وهي مستلزمة لعدم مشيئته الوجود فانتفاؤه مستلزم لإنتفائه وهو إنما يكون بتحقق مشيئة الوجود فثبت أن تلاوته E للقرآن وادراءه تعالى بواسطته بمشيئته تعالى