معنى كون العلم تابعا للمعلوم أن علمه تعالى في الازل بالمعلوم المعين الحادث تابع لماهيته بمعنى أن خصوصية العلم وإمتيازه عن سائر العلوم إنما هو بإعتبار أنه علم بهذه الماهية وأما وجود الماهية وفعليتها فيما لا يزال فتابع لعلمه الأزلي التابع لماهيته بمعنى أنه تعالى لما علمها في الأزل على هذه الخصصوصية لزم أن تتحقق وتوجد فيما لا يزال على هذه الخصوصية فنفس موتهم على الكفر وعدم إيمانهم متبوع لعلمه تعالى الأزلي ووقوعه تابه له وهذا مما لاشبهة فيه وهو مذهب أهل السنة رحمهم الله تعالى وبه ينحل إشكالات كثيرة ففليحفظ وذكر مولانا الشيخ إبراهيم الكوراني أن معنى كون العلم تابعا للمعلوم أنه متعلق به كاشف له على ماهو عليه وبنى على ذلك كون الماهيات ثابتة غير مجعولة في ثبوتها والقول بالتبعية المذكورة مما ذهب إليه الشيخ الأكبر قدس سره ونازع في ذلك عبدالكريم الجيلي وقال الشيخ محمد عمر البغدادي عليه الرحمة : إن كون العلم تابعا للمعلوم بالنظر إلى حضرة الأعيان القديمة التي أعطت الحق العلم التفصيلي بها وأما بالنظر إلى العلم الإجمالي الكلي فالمعلوم تابع للعلم لأن الحق تعالى لما تجلى من ذاته لذاته بالفيض الأقدس حصلت الأعيان وإستعدادا فلم تحصل عن جهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وحينئذ فلا مخالفة بين الشيخ الأكبر قدس سره والجيلي على أنه إن بقيت هناك مخالفة فالحق مع الشيخ لأن الجيلي بالنسبة إليه نحلة تدندن حول الحمى والدليل أيضا مع الشيخ كنار على علم لكنه قد أبعد رضي الله تعالى عنه الشوط بقوله : العلم تابع للمعلوم والمعلوم أنت وأنت هو والبحث وعر المسلك صعب المرتقى وتمام الكلام فيه يطلب من محله .
وإستفادة معنى العلم هنا على ما قيل من التأكيد الذي أفادته اللام وفي الآية وعيد شديد وتهديد أكيد لأهل مكة لأنهم وأولئك المهلكين مشتركون فيما يقتضي الإهلاك ويعلم مما تقرر أن ضمير كانوا للقرون وهو ظاهر وجوز مقاتل أن يكون الضمير لأهل مكة وهو خلاف الظاهر وكذا جوز كون المراد بالقوم المجرمين أهل مكة على طريقة وضع الظاهر موضع ضمير الخطاب إيذانا بأنهم أعلام في الأجرام وذكر القوم إشارة إلى أن العذاب عذاب إستئصال .
والتشبيه على هذا ظاهر إذ المعنى يجزيكم مثل جزاء من قبلكم وأما على الأول فهو على منوال وكذلك جعلناكم أمة وسطا وأضرابه وفيه بعد أيضا بل قال المحققين : يأباه كل الإباء قوله سبحانه : ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم فإنه صريح في أنه إبتداء تعرض لأمورهم وإن ما بين فيه ميادىء أحوالهم لأختبار كيفية أعمالهم على وجه يشعر بإستمالتهم نحو الإيمان والطاعة فمحال أن يكون ذلك إثر بيان منتهى أمرهم وخطابهم ببت القول بإهلاكهم لكمال إجرامهم والعطف على قوله تعالى : ولقد أهلكنا لا على ما قبله والمعنى ثم إستخلفناكم في الأرض بعد اهلاك أولئك القرون التي تسمعون أخبارها وتشاهدون آثارها لننظر كيف تعلمون 14 أي لنعلم أي عمل تعملون فكيف مفعول مطلق لتعلمون وقد صرح في المغنى بأن كيف تأتي كذلك وأن منه كيف فعل ربك وليست معمولة لننظر لأن الإستفهام له الصدارة فيمنع ما قبله من العمل فيه ولذا لزم تقديمه على عامله هنا .
وقيل : محلها النصب على الحال من ضمير تعملون كما هو المشهور فيها إذا كان بعدها فعل نحو كيف ضرب زيد أي على أي حال تعملون الأفعال اللائقة بالإستخلاف من أوصاف الحسن وفيه من المبالغة في