قوم نوح وعاد وثمود وهو جمع قرن بفتح القاف أهل كل زمان مأخوذ من الإقتران كأن أهل ذلك الزمان إقترنوا في أعمالهم وأحوالهم وقيل : القرن أربعون سنة وقيل : ثمانون وقيل مائة وقيل هو مطلق الزمان والمراد هنا المعنى الأول وكذا في قوله صلى الله عليه وسلّم : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم وقوله : إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم وخلفت في قرن فأنت غريب من قبلكم أي من قبل زمانكم والخطاب لأهل مكة على طريقة الإلتفات للمبالغة في تشديد التهديد بعد تأييده بالتوكيد القسمى والجار والمجرور متعلق بأهلكنا ومنع أبو البقاء كونه حالا من القرون لما ظلموا أي حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتمادي في الغي والضلال والظرف متعلق بأهلكنا وجعل لما شرطية بتقدير جواب هو أهلكناهم بقرينة ما قبله تكلف لا حاجة إليه وقوله سبحانه : وجاءتهم رسلهم حال من ضمير ظلموا بإضمار قد وقوله تعالى : بالبينات متعلق بجاءتهم على أن الباء للتعدية أو بمحذوف وقع حالا من رسلهم دالة على إفراطهم في الظلم وتناهيهم في المكابرة أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينة الدالة على صدقهم أو متلبسين بها حين لا مجال للتكذيب وجوز أبو البقاء وغيره عطفه على ظلموا فلا محل له من الإعراب أو محله الجر وذلك عند من يرى إضافة الظرف إلى المعطوف عليه والترتيب الذكري لايجب أن يكون حسب الترتيب الوقوعي كما في قوله تعالى : ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ولا حاجة إلى هذا الإعتذار بناء علىأن الظلم ليس منحصرا في التكذيب بل هو محمول على سائر أنواع الظلم والتكذيب مستفاد من قوله تعالى : وماكانوا ليؤمنوا على أبلغ وجه وآكده لأن اللام لتأكيد النفي .
وهذه الجملة على الأول عطف على ظلموا وليس من العطف التفسيري فيشيء على ما قاله صاحب الكشف خلافا للطيبي لأن الأولى إخبار بأحداث التكذيب وهذه إخبار بالإصرار عليه وعلى الثاني عطف على ماعطف عليه وقيل : إعتراض للتأكيد بين الفعل ومايجري مجرى مصدره التشبيهي أعني قوله سبحانه كذلك فإن الجزاء المشار إليه عبارة عن مصدره أي مثل الجزاء الفظيع أي الإهلاك الشديد الذي هو الإستئصال بالمرة نجزي القوم المجرمين 13 أي كل طائفة مجرمة فيشمل القرون وجعل ذلك عبارة عنهم غير مناسب للسياق وقرىء يجزي بياء الغيبة إلتفاتا من التكلم في أهلكنا إليها وحاصل المعنى على تقدير العطف أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل وأنهم ماصح وما إستقام لهم أن يؤمنوا لفساد إستعدادهم وخذلان الله تعالى إياهم ويقتصر على الأمر الأول في بيان الحاصل على تقدير الإعتراض وذكر الزمخشري بدل الأمر الثاني علم الله تعالى أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل عليهم السلام وجعل بيانا على التقديرين وفيه مايحتاج إلى الكشف فتدبره وتعليل عدم الإيمان بالخذلان ونحوه ظاهر وكلام القاضي صريح في تعليله أيضا بعلم الله تعالى أنهم يموتون على الكفر واعترض بأنه مناف لقولهم : إن العلم تابع للمعلوم وتكلف بعض الفضلاء في تصحيحه ماتكلف ولم يأت بشيء وقال بعض المحققين :