لا تمنع الشخص القيام أو متوسطة تمنعه القيام دون القعود أو شديدة تمنعه منها وإنفهام ذلك منها بمعونة السياق و إذا قيل إنها على أصلها وقيل إنها للمضي فلما كشفنا عنه ضره الذي مسه غب ما دعانا كما ينبيء عنه الفاء مر أي مضى وإستمر على ماكان عليه قبل ونسي حالة الجهد والبلاء أو مر عن موقف الدعاء والإبتهال ونأي بجانبه والمرور على الأول مجاز وعلى الثاني باق على حقيقته ويكون كناية عن عدم الدعاء كأن لم يدعنا أي كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن ومثل ذلك قوله : ووجه مشرق النحر كأن ثدياه حقان فان الأصل فيه كأنه فخفف كأن وحذف ضمير الشأن لكن صرح ابن هشام في شواهده أن ذلك غير متعين إذ يجوز كون الضمير للوجه أو للصدر على رواية وصدر وروي كأن ثدييه على إعمال كأن في إسم مذكور ولا يبعدأن يجوز ذلك في الرواية الأولى على بعض اللغات والجملة التشبيهية في موضع الحال من فاعل مر أي مر مشبها بمن لم يدعنا إلى ضر أي إلى كشفه لأنه المدعو إليه وقيل : لاحاجة إلى التقدير وإلى بمعنى اللام أي لضر مسه والظاهر أن هذا وصف لجنس الإنسان مطلقا أوالكافر منه بإعتبار حال بعض الأفراد ممن هو متصف بهذه الصفات .
وذكر الشهاب أن المفسرين في المراد بالإنسان هنا ثلاثة أقوال فقيل : الجنس وقيل : الكافر وقيل : شخص معين وعليه لا حاجة إلىالإعتبار لكن لا إعتبار له كذلك أي مثل ذلك التزيين العجيب زين للمسرفين أي للموصوفين بما ذكر من الصفات الذميمة ماكانوا يعلمون 12 من الإعراض عن الذكر والدعاء والإنهماك في الشهوات والإسراف مجاوزة الحد وسموا أولئك مسرفين اما أن الله تعالى إنما أعطاهم القوى والمشاعر ليصرفوها إلى مصارفها ويستعملوها فيما خلقت له من العلوم والأعمال الصالحة وهم قد صرفوها إلى ما لا ينبغي مع أنها رأس مالهم وفاعل التزيين إما مالك الملك جل شأنه وإما الشيطان عليه اللعنة وقد مر تحقيق ذلك وكذلك فتذكر وتعلق الآية الكريمة بما قبلها قيل من حيث أن في كل منهما إملاء للكفرة على طريقة الإستدراج بعد الإنقاذ من الشر المقرر في الأولى ومن الضر المقرر في الأخرى .
وذكر الإمام في وجه الإنتظام مع الآية الأولى وجهين الأول أنه تعالى بين في الأولى أنه لو أنزل العذاب على العبد في الدنيا وأكد ذلك في هذه الآية حيث دلت على غاية ضعفه ونهاية عجزه والثاني أنه سبحانه أشار في الأولى إلى أن الكفرة يستعجلون نزول العذاب وبين جل شأنه في هذه أنهم كاذبون في ذلك الطلب حيث أفادت أنه لو نزل بالإنسان أدنى شيء يكرهه فانه يتضرع إلى الله تعالى في إزالته عنه إنتهى ولكل وجهة .
وفي الآية ذم لمن يترك الدعاء في الرخاء ويهرع اليه في الشدة واللائق بحال الكامل التضرع إلى مولاه في السراء والضراء فإن ذلك أرجى للإجابة ففي الحديث تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة .
وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال : إدع الله تعالى يوم سرائك يستجب لك يوم ضرائك وفي حديث للترمذي عن أبي هريرة ورواه الحاكم عن سلمان وقال صحيح الإسناد من سره أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكروب فليكثر الدعاء في الرخاء والآثار في ذلك كثيرة ولقد أهلكنا القرون مثل