عدم ذكر التحميد فيه إكتفاء بما في الآية وهذا ما عندي فيها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال : أخبرت أنأهل الجنة إذا مر بهم الطائر يشتهونه قالوا : سبحانك اللهم وذلك دعاؤهم به فيأتيهم الملك بما إشتهوا فإذا جاء الملك به يسلم عليهم فيردون عليه وذلك قوله تعالى : وتحيتهم فيها سلام فإذا أكلوا قدر حاجتهم قالوا : الحمد لله رب العالمين وذلك قوله سبحانه : وآخردعواهم أن الحمد لله رب العالمين وهو ظاهر في أن الترتيب الذكري حسب الترتيب الوقوعي أيضا لكن يدل على أن الدعوى بمعنى الدعاء ومعنى كون سبحانك اللهم دعاء وطلبا لما يشتهون حينئذ أنه علامة للطلب ونظير ذلك تسبيح المصلي إذا نابه شيء في صلاته وفي بعض الآثار أن هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام فإذا قالوها أتوهم بما يشتهون .
وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب مرفوعا أنهم إذا قالوا ذلك أتاهمما إشتهوا من الجنة من ربهم ولا بأس في ذلك نعم في كون الحمد بعد أكل قدر حاجتهم مدلول قوله سبحانه : وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين خفاء .
وقال القاضي بيض الله تعالى غرة أحواله : لعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله سبحانه وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلالثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعالى فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام وهو أيضا ظاهر في كونالترتيب الذكري كما قلنا إلا أنه تعقب بأن إضافة آخر إلى دعواهم يأباه وكأن وجه الإباء على ما قيل : إن ذلك على هذا آخر الحال وبأن إعتبار الفوز بالكرامات في مفهوم السلام غير ظاهر ولعل الأمر في ذلك سهل .
وقال شيخ الإسلام : لعلهم يقولون : سبحانك اللهم عندما يعاينون من تعآجيب آثار قدرته تعالى ونتائج رحمته ورأفته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر تقديسا لمقامه تعالى عن شوائب العجزوالنقصان وتنزيها لوعده الكريم عن سمات الخلف ويكون خاتمة دعائهم أن يقولوا : الحمد لله رب العالمين نعتا له تعالى شأنه بصفات الإكرام إثر نعته بصفات الجلال والمعنى دعاؤهم منحصر فيما ذكر إذ ليس لهم مطلب مترقب حتى ينظموه في سلك الدعاء ولعل توسيط ذكر تحيتهم عند الحكاية بين دعائهم وخاتمته للتوسل إلى ختم الحكاية بالتحميد تبركا مع أن التحية ليست بأجنبية على الإطلاق إنتهى وكأنه أراد بعدم كون التحية أجنبية على الإطلاق كونها دعاء معنى وكلامه نص في أن الترتيب الوقوعي مخالف للترتيب الذكري ولا يخفى أن توجيه توسيط ذكر التحية بما ذكره مما لا يكاد يرتضيه منصف على أنه غفل هو وسائر من وقفنا على كلامه من المفسرين عن توجيه إسمية الجمل فإفهم والله تعالى أعلم ولو يعجل الله للناس هم الذين لا يرجون لقاء الله تعالى المذكورون في قوله سبحانه : إن الذين لا يرجون لقاءنا إلخ والآيةمتصلة بذلك دالة على إستحقاقهم للعذاب وأنه سبحانه إنما يمهلهم إستدراجا وذكر المؤمنين وقع في البين تتميما ومقابلة وجيء بالناس بدل ضميرهم تفظيعا للأمر .
وفي إرشاد العقل السليم إنما أوردوا بإسم الجنس لما أن تعجيل الخيرلهم ليس دائرا على وصفهم المذكور إذ ليس كل ذلك بطريق الإستدارج والمراد لو يعجل الله تعالى لهم الشر الذي كانوا يستعجلون به تكذبيا وإستهزاء فإنهم كانوا يقولون : اللهم إن كان هذا هو الحق منعندك فأمطر علينا حجارة