والمراد بهذا الإيمان الذي جعل سببا لما ذكر الإيمان الخاص المشفوع بالأعمال الصالحة لا المجرد عنها ولا ما هو الأعم ولا ينبغي أن ينتطح فيذلك كبشان والآية عليه بمعزل عن الدلالة على خلاف ما عليه الجماعة من أن الإيمان الخالي عن العمل الصالح يفضي إلى الجنة في الجملة ولا يخلد صاحبه في النار فإن منطوقها أن الإيمان المقرون بالعمل الصالح سبب للهداية إلى الجنة وأما أن كل ما هو سبب لها يجب أن يكون كذلك فلا دلالة لها ولا لغيرها عليه كيف لا وقوله سبحانه : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون مناد بخلافه بناءعلى ما أطبقوا عليه من تفسير الظلم بالشرك ولئن حمل على ظاهره أيضايدخل في الإهتداء من آمن ولم يعمل صالحا ثم مات قبل أن يظلم بفعل حرام أو بترك واجب وإلى حمل الإيمان على ما قلنا ذهب الزمخشري وقال : إن الآية تدل على أن الإيمان المعتبر في الهداية إلى الجنة هوالإيمان المقيد بالعمل الصالح ووجه ذلك بأنه جعل فيها الصلة مجموع الأمرين فكأنه قيل : إن الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قيل : بإيمانهم أي هذا المضموم إليه العمل الصالح وزعم بعضهم أن ذلكمنه مبني على الإعتزال وخلود غير الصالح في النار ثم قال إنه لادلالة في الآية على ما ذكره لأنه جعل سبب الهداية إلى الجنة مطلق الإيمان وأما أن اضافته الى ضمير الصالحين يقتضي أخذ الصلاح قيدا في التسبب فممنوع فإن الضمير يعود على الذوات بقطع النظر عن الصفات وأيضا فإن كون الصلة علة للخبر بطريق المفهوم فلا يعارض السبب الصريح المنطوق على أنه ليس كل خبر عن الموصول يلزم فيه ذلك ألا ترى أننحوه الذي كان معنا بالأمس فعل كذا خال عما يذكرونه في نحو الذي يؤمنيدخل الجنة وإنتصر للزمخشري بأن الجمع بين الإيمان والعمل الصالح ظاهر في أنهما السبب والتصريح بسببية الإيمان المضاف إلى ضمير الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالتنصيص على أنه ذلك الإيمان المقرون بما معه لا المطلق لكنه ذكر لأصالته وزيادة شرفه ولا يلزم على هذا إستدراكذكره ولا إستقلاله بالسببية .
وفيه رد على القاضي البيضاوي حيث إدعى أن مفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية الإيمان والعمل الصالح لكن منطوق قوله سبحانه : بإيمانهم دل على إستقلال الإيمان ومنع في الكشف أيضا كون المنطوق ذلك وفرعه على كون الإستدلال من جعل الإيمان والعمل الصالح واقعين في الصلة ليجريا مجرى العلة ثم لما أعيد الإيمان مضافا كان إشارة إلىالإيمان المقرون لما ثبت أن إستعمال ذلك إنما يكون حيث معهودوالمعهود السابق هو هذا والأصل عدم غيره ثم قال : ولو سلم ان المنطوق ذلك لم يضر الزمخشري لأن العمل يعد شرطا حينئذ جمعا بين المنطوق والمفهوم بقدر الإمكان فلم يلغ إقتران العمل ولا دلالة السببية وهذا فائدة إفراده بالذكر ثانيا مع ما فيه من الأصالة وزيادة الشرف ولا مخالف له من الجماعة لأن العصاة غير مهديين وأما أن كل من ليس مهتديا فهو خالد في النار فهو ممنوع غاية المنع إنتهى وفي القلب من هذا المنع شيء والأولى التعويل على ما قدمناه في تقرير كون الآية بمعزل عن الدلالة على خلاف ما عليه الجماعة والهداية على هذا الوجه يحتمل أن تفسر بالدلالة الموصلة إلى البغية وبمجرد الدلالة والمختارالأول وإختار الثاني من قال : إن المعنى يهديهم طريق الجنة بنورإيمانهم وذلك اما على تقدير المضاف أو على أن إيمانهم يظهر نورا بين أيديهم وقيل : إن المعنى يسددهم بسبب إيمانهم للإستقامة علىسلوك السبيل المؤدي إلى الثواب والهداية عليه بالمعنى الأول وقيل : المراد يهديهم إلى إدراك حقائق الأمور فتنكشف لهم بسبب ذلك وأيا ما كان فالإالتفات في