لقربه سبحانه فقد جاء في الخبر أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وقد يقال : الراكعون الساجدون هم المشاهدون للحبيب السامعونمنه وما أحسن ماقيل : لويسمعون كما سمعت كلامها خروا لعزة ركعا وسجودا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر أي الداعون الخلق إلى الحقوالدافعون لهم عما سواه فإن المعروف على الإطلاق هو الحق سبحانه والكل بالنسبة إليه عز شأنه منكر والحافظون لحدود الله أي المراعون أوامرهونواهيه سبحانه في جوارحهم وأسرارهم وأرواحهم أو الذين حفظوا حدودالله المعلومة فأقاموها على أنفسهم وعلى غيرهم وقيل : هم القائمون في مقام العبودية بعد كشف صفات الربوبية لهم فلا يتجاوزون ذلك وإن حصل لهم ما حصل فهم في مقام التمكين والصحو لا يقولون ما يقوله سكارى المحبة ولا يهيمون في أودية الشطحات .
وفي الآية نعي على أناس إدعوا الإنتظام في سلك حزب الله تعالى وزمرةأوليائه وهم قد ضيعوا الحدود وخرقوا سفينة الشريعة وتكلموا بالكلمات الباطلة عند المسلمين على إختلاف فرقهم حتى عند السادة الصوفية فإنهم أوجبوا حفظ المراتب وقالوا : إن تضييعها زندقة وقد خالطتهم فرأيت منهم خبائث بالمهيمن نستجير ولعمري إن المؤمن من ينكر على أمثالهم فإياك أن تغتر بهم وبشر المؤمنين بالإيمان الحقي المقيمين في مقام الإستقامة وإتباع الشريعة ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أوليقربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم أي ما صح منهم ذلك ولاإستقام فإن الوقوف عند القدر من شأن الكاملين .
ومن هنا قيل : لا تؤثر همة العارف بعد كمال عرفانه أي إذا تيقن وقوعكل شيء بقدره تعالى الموافق للحكمة البالغة وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولم يتهم الله سبحانه في شيء من الفعل والترك سكنتحت كهف الأقدار وسلم لمدعي الإرادة وأنصت لمنادي الحكمة وترك مراده لمراد الحبيب بل لا يريد إلا ما يريده وهو الذي يقتضيه مقام العبوديةالمحصنة الذي هو أعلى المقامات ودون ذلك مقام الأدلال ولقد كان حضرة مولانا القطب الرباني الشيخ عبدالقادر الكيلاني قدس سره في هذا المقاموله كلمات تشعر بذلك لكن لم يتوف قدس سره حتى إنتقل منه إلى مقام العبودية المحضة كما نقل مولانا عبدالوهاب الشعراني في الدرر واليواقيت وقد ذكر أن هذا المقام كان مقام تلميذه حضرة مولانا أبي السعود الشلبي قدس سره وما كان الله ليضل قوما أي ليصفهم بالضلال عن طريق التلسيم والإنقياد لأمره والرضا بحكمه بعد إذ هداهم إلى التوحيد العلمي ورؤية وقوع كل شيء بقضائه وقدره حتى يبين لهم ما يتقون أي ما يجب عليهم إتقاؤه في كل مقام من مقامات سلوكهم وكلمرتبة من مراتب وصولهم فإذا بين لهم ذلك فإن أقدموا في بعض المقامات على ما تبين لهم وجوب إتقائه أضلهم لإرتكابهم ما هو ضلال في دينهم وإلا فلا إن الله بكل شيء عليم فيعلم دقائق ذنوبهم وإن لم يتفطن لها أحد .
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعةالعسرة لايخفى أن توبة الله سبحانه على كل من النبي E ومن معه بحسب مقامه وذكر بعضهم أن التوبة إذ أنسبت إلى العبد كانت بمعنى الرجوع من الزلات إلى الطاعات وإذا نسبت إلى الله سبحانه كانت بمعنى رجوعه إلى العباد بنعت الوصال وفتح الباب ورفع الحجاب وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وذلك لإستشعار سخط المحبوب وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه أي تحققوا ذلك فإنقطعوا إليه سبحانه