يصبه في ذلك اليوم ولا تلك الليلة كرب ولانكب ولا غرق وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : خرجت سرية إلى أرض الروم فسقط رجلمنهم فإنكسرت فخده فلم يستطيعوا أن يحملوه فربطوا فرسه عنده ووضعواعنده شيئا من ماء وزاد فلما ولوا أتاه آت فقال له : مالك ههنا قال : إنكسرت فخدي فتركني أصحابي فقال : ضع يدك حيث تجد الألم وقل : فغن تولوا الآية فوضع يده فقرأها فصح وركب فرسه وأدرك أصحابه وهذه الآية ورد هذا الفقير ولله الحمد منذ سنين نسأل الله تعالى أن يوفق لناالخير ببركتها إنه خير الموفقين .
هذا ومن باب الإشارة في الآيات إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة لما هداهم سبحانه إلى الإيمان العلمي وهم مفتونون بمحبة الأنفس والأموال إستنزلهم لغاية عنايته سبحانه بهم عن ذلك بالمعاملة الرابحة بأن أعطاهم بدل ذلك الجنة ولعل المراد بها جنة النفس ليكون الثمن من جنس المثمن الذي هومألوفهم ولكن الفرق بين الأمرين قال ابن عطاء : نفسك موضع كل شهوةوبلية ومالك محل كل إثم ومعصية فإشترى مولاك منك ليزيل ما يضرك ويعوضك عليه ما ينفعك ولهذا إشترى سبحانه النفس ولم يشتر القلب وقد ذكر بعض الأكابر في ذلك أيضا أن النفس محل العيب والكريم يرغب في شراء ما يزهد فيه غيره فشراء الله تعالى ذلك مع إطلاعه سبحانه على العيب بالجنة التي لاعيب فيها نهاية الكرم ويرشد إلى ذلك قول القائل : ولي كبد مقروحة من يبيعني بها كبدا ليست بذات قروح أباها جميع الناس لا يشترونها ومن يشتري ذا علة بصحيح وعن الجنيد قدس سره قال : إنه سبحانه إشترى منك ما هو صفتك وتحتتصرفك والقلب تحت صفته وتصرفه لم تقع المبايعة عليه ويشير إلى ذلك قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن وذكر بعض أرباب التأويل أنه تعالى لما إشترى الأنفس منهم فذاقوا بالتجرد عنها حلاوة اليقين ولذة الترك ورجعوا عن مقام لذة النفس وتابوا عن هواها ولم يبق عندهم لجنة النفس التي كانت ثمنا قدر وصفهم بالتائبين فقالسبحانه : التائبون أي الراجعون عن طلب ملاذ النفس وتوقع الأجر إليه تعالى وبلفظ أخرهم قوم رجعوا من غير الله إلى الله وإستقاموا بالله تعالى مع الله تعالى العابدون أي الخاضعون المتذللون لعظمته وكبريائه تعالى تعظيما وإجلالا له جل شأنه لا رغبةولا رهبة من عقاب وهذه أقصى درجات العبادة ويسميها بعضهم عبودة الحامدون بإظهار الكمالات العملية والعلمية حمدا قعليا حاليا وأقصى مراتب الحمد إظهار العجز عنه يروى أن داود عليه السلام قال : يارب كيف أحمدك والحمد من آلائك فأوحى الله تعالى إليه الآن حمدتنييا داود وما أعلى كلمة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك السائحون إليه تعالى بالهجرة عن مقام الفطرةورؤية الكمالات الثابتة لهم في مفاوز الصفات ومنازل السبحات وقال بعض العارفين : السائحون هم السيارون بقلوبهم في الملكوت الطائرون بأجنحة المحبة في هواء الجبروت وقد يقال : هم الذين صاموا عنالمألوفات حين عاينوا هلال جماله تعالى في هذه النشأة ولا يفطرون حتىيعاينوه مرة اخرى في النشأة الأخرى وقد إمتثلوا ما أشار إليه صلى الله عليه وسلّم بقوله صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته الراكعون في مقام محو الصفات الساجدون بفناء الذات وقال بعض العارفين : الراكعون هم العاشقون المنحنون من ثقل أوقار المعرفة على باب العظمة ورؤية الهيبة والساجدون هم الطالبون