بنزولها لأنه سبب لزيادة كمالهم ورفع درجاتهم بل هو لعمري أجدى من تفاريق العصا .
وأما الذين في قلوبهم مرض أي نفاق فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي نفاقا مضموما إلى نفاقهم فالزيادة متضمنة معنى الضم ولذا عديت بإلى وقيل : إلى بمعنى مع ولا حاجة إليه وماتوا وهم كافرون 125 وإستحكم ذلك فيهم إلى أن يموتوا عليه أولا يرون يعني المنافقين والهمزة للإنكار والتوبيخ والكلام في العطف شهير وقرأ حمزة ويعقوب وأبي كعب بالتاء الفوقانية على أن الخطاب للمؤمنين والهمزة للتعجيب أي أولا يعلمون وقيل أولا يبصرون أنهم أي المنافقين يفتنون في كل عام من الأعوام مرة أو مرتين بأفانين البليات من المرض والشدة مما يذكر الذنوب والوقوف بين يدي علام الغيوب فيؤدي إلى الإيمان به تعالى والكف عما هم عليه وفي الخبر إذا مرض العبدثم عوفي ولم يزدد خيرا قالت الملائكة : هو الذي داويناه فلم ينفعه الدواء فالفتنة هنا بمعنى البلية والعذاب وقيل : هي بمعنى الإختبار والمعنى أولا يرون أنهم يختبرون بالجهاد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيعاينون ما ينزل عليه من الآيات لا سيما الآيات الناعية عليهم قبائحهم ثم لايتوبون عماهم فيه ولاهم يذكرون 126 ولا يعتبرون والجملة على قراءة الجمهور عطف على يرون داخل تحت الإنكار والتوبيخ وعلى القراءة الأخرى عطف على يفتنون والمراد من المرة والمرتين على ما صرح به بعضهم مجرد التكثير لا بيان الوقوع على حسب العدد المزبور وقرأ عبدالله أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ومايتذكرون .
وإذا ماأنزلت سورة بيان لأحوالهم عند نزولها وهم في محفل تبليغ الوحي كما أن الأول بيان لمقالاتهم وهم غائبون عنه نظر بعضهم إلى بعض ليتواطؤا على الهرب كراهة سماعها قائلين إشارة : هل يراكم من أحد أي هل يراكم أحد من المسلمين إذا قمتم من المجلس أو تغامزوا بالعيون إنكارا وسخرية بها قائلين هل يراكم أحد لننصرف مظهرين أنهم لا يصطبرون على إستماعها ويغلب عليهم الضحك فيفتضحون والسورة على هذا مطلقة وقيل : إن نظر بعضهم إلى بعض وتغامزهم كان غيظا لما في السورة من مخازيهم وبيان قبائحهم فالمراد بالسورة سورة مشتملة علىذلك والإطلاق هو الظاهر وأيا ما كان فلا بد من تقدير القول قبلالإستفهام ليرتبط الكلام فإن قدر إسما كان نصبا على الحال كما أشرنا إليه وإن قدر فعلا كانت الجملة في موضع الحال أيضا ويجوز جعلها مستأنفة وإيراد ضمير الخطاب لبعث المخاطبين على الحزم فإن المرء بشأنه أكثر إهتماما منه في شأن أصحابه كما في قوله تعالى : وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا ثم انصرفوا عطف على نظر بعضهم والتراخي بإعتبار وجود الفرصة والوقوف على عدم رؤية أحد من المؤمنين أي ثم إنصرفوا جميعا عن محفل الوحي لعدم تحملهم سماع ذلك لشدة كراهتهم أومخافة الفضيحة بغلبة الضحك أو الإطلاع على تغامزهم أو إنصرفوا عنالمجلس بسبب الغيظ وقيل : المراد إنصرافهم عن الهداية والأول أظهر .
صرف الله قلوبهم عن الإيمان حسب إنصرافهم عن ذلك المجلس والجملة تحتمل الإخبار والدعاء وإختار الثاني أبو مسلم وغيره من المعتزلة ودعاؤه تعالى على عباده وعيد لهم وإعلام بلحوق العذاب بهم وقوله سبحانه :