وأشجع وغفار وأسلم وإضرابهم أن يتخلفوا عن رسول الله عند توجهه E إلى الغزو ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه أي لا يصرفوها عن نفسه الكريمة ولا يصونوها عما لم يصنها عنه بل يكابدون مايكابده من الشدائد وأصله لا يترفعوا بأنفسهم عن نفسه بأن يكرهوا لأنفسهم المكاره ولا يكرهوها له E بل عليهم أن يعكسوا القضية وإلى هذا يشير كلام الواحدي حيث قال : يقال رغبت بنفسي عن هذا اللإمر أي ترفعت عنه وفي النهاية يقال : رغبت بفلان عن هذا الأمر أي كرهت له ذلك .
وجوز في يرغبوا النصب بعطفه على يتخلفوا المنصوب بأن وإعادة لا لتذكير النفي وتأكيده وهو الظاهر والجزم على النهي وهو المراد من الكلام إلا أنه عبر عنه بصيغة النفي للمبالغة وخص أهل المدينة بالذكر لقربهم منه E وعلمهم بخروجه وظاهر الآية وجوب النفير إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الغزو بنفسه .
وذكر بعضهم أنه إستدل بها على أن الجهاد كان فرض عين في عهده علي الصلاة والسلام وبه قال ابن بطال : وعلله بأنهم بايعوه عليه E فلا يجب النفير مع أحد من الخلفاء مالم يلم العدو ولم يمكن دفعه بدونه وقدر بعضهم في الآية مضافا إلى رسول الله أي أن يتخلفوا عن حكم رسول الله A وهو خلاف الظاهر وعليه يكون الحكم عاما وفيه بحث .
وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن زيد أن حكم الآية حين كان الإسلام قليلا فلما كثر وفشا قال الله تعالى : وماكان للمؤمنين لينفروا كافة وأنت تعلم أن الإسلام كان فاشيا عند نزول هذه السورة ولا يخفى مافي الآية من التعريض بالمتخلفين رغبة باللذائذ وسكونا إلى الشهوات غير مكترثين بما يكابد E وقد كان تخلف جماعة عنه صلى الله تعالى عليه وسلم كما علمت لذلك وجاء أن أناسا من المسلمين تخلفوا ثم أن منهم من ندم وكره مكانه فلحق برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم غير مبال بالشدائد كأبي خيثمة فقد روى أنه رضى الله تعالى عنه بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء فرشت له في الظل وبسطت له الحصير وقربت إليه الرطب والماء البارد فنظر فقال : ظل ظليل ورطب يانع وماء بارد وإمرأة حسناء ورسول الله A في الضح والريح ماهذا بخير مقام فرحل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومر كالريح فمد رسول الله A طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب فقال E : كن أبا خيثمة فكانه ففرح به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم واستغفر له ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام من وجوب المشايعة بأنهم أي بسبب أنهم لا يصيبهم ظمأ أي شيء من العطش وقرىء بالمد والقصر ولا نصب ولا تعب ما ولا مخمصة ولا مجاعة ما في سبيل الله في جهاد أعدائه أو في طاعته سبحانه مطلقا ولا يطؤن موطئا يغيظ الكفار أي يغضبهم ويضيق صدورهم والوطء الدوس بالأقدام ونحوها كحوافر الخيل وقد يفسر بالإيقاع والمحاربة ومنه قوله A آخر وطأة وطأها الله تعالى بوج والموطىء ايم مكان على الأشهر الأظهر وفاعل يغيظ ضميره بتقدير مضاف أي يغيظ وطؤه لأن المكان نفسه لا يغيظ ويحتمل أن يكون ضميرا عائدا إلى