بحال من بنى بناء محكما يستوطنه ويتحصن به وأن يكون البنيان إستعارة أصلية والتأسيس ترشيحا أو تبعية وكذا جوز التمثيل في الجملة الثانية وإجراء ذلك فيها ظاهر بعد إعتبار إجرائه في مقابله وفاعل إنهار إما ضمير البنيان وضمير به للمؤسس وإما للشفا وضمير به للبنيان وإليه يميل ظاهر التفسير المار آنفا .
وظاهر الأخبار أن ذلك المسجد إذا وقع وقع في النار فقد أخرج ابنالمنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أنه قال في الآية : والله ماتناهى أن وقع في النار وذكر لنا أنه حفرت فيه بقعة فرئي منه الدخان .
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال فيها : مضى حين خسف به إلى النار وعن سفيان بن عيينة يقال : إنه بقعة من نار جهنم وأنت تعلم أني والحمد لله تعالى مؤمن بقدرته سبحانه على أتم وجه وأنه جل جلاله فعال لما يريد لكني لا أومن بمثل هذه الظواهر ما لم يرد فيا خبر صحيح عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقرأ نافع وابن عمر أسس بالبناء للمفعول في الموضعين وقرىء أساس بنيانه وأس بنيانه على الإضافة ونسب ذلك إلى علي بن نصر وأسس بفتحات ونسبت إلى عاصم وإساس بالكسر قيل : وثلاثتها جمع أس وفيهنظر ففي الصحاح الأس أصل البناء وكذلك الأساس والأسس مقصور منه وجمع الأس أساس مثل عس وعساس وجمع الأساس أسس مثل قذال وقذل وجمع الأسس آساس مثل سبب وأسباب إنتهى وجوز في في أسس أن يكون مصدرا وقرأ عيسى بن عمرو وتقوى بالتنوين وخرج ذلك ابن جني على أن الألف للإلحاق كما في أرطى ألحق بجعفر لا للتأنيث كألف تترى في رأى والألم يجز تنوينه وقرأ ابن مسعود فإنهار به قواعده في نار جهنم والله لايهدي القوم الظالمين 108 أي لأنفسهم أو الواضعين للأشياء في غير مواضعها أي لايرشدهم إلى ما فيه صلاحهم إرشادا موجبا لا محالة .
لا يزال بنيانهم الذي بنوا أي بناؤهم الذي بنوه فالبنيان مصدرأريد به المفعول كما مر ووصفه بالمفرد مما يرد على مدعي الجمعية وكذا الإخبار عنه بقوله سبحانه : ريبة في قلوبهم وإحتمال تقديرمضاف وجعل الصفة وكذا الخبر له خلاف الظاهر نعم قيل : الإخبار بريبة لا دليل فيه على عدم الجمعية لأنه يقال : الحيطان منهدمة والجبال راسية وجوز بعضهم كون البنيان باقيا على المصدرية و الذي مفعوله والريبة أيم من الريب بمعنى الشك وبذلك فسرها ابن عباس رضي اللهتعالى عنهما والمراد به شكهم في نبوته صلى الله عليه وسلّم المضمر في قلوبهم وهو عين النفاق وجعل بنيانهم نفس الريبة للمبالغة في كونه سببا لها قال الإمام : وفي ذلك وجوه .
أحدها أن المنافقين عظم فرحهم ببنيانه فلما أمر بتخريبه ثقل عليهم وإزداد غيظهم وارتيابهم في نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم وثانيها أنه لما أمر بتخريبه ظنوا أن ذلك للحسد فإرتفع أمانمم عنه A وعظم خوفهم فارتابوا هل يتركون على حالهم أو يؤمر بقتلهم ونهب أموالهم وثالثها أنهم إعتقدوا أنهم كانوا محسنين في البناء فلما أمر بتخريبه بقوا شاكينمرتابين في أنه لأي سبب أمر بذلك والصحيح هو الأول .
ويمكن كما قال العلامة الطيبي أن يرجح الثاني بأن تحمل الريبة على أصل موضوعها ويراد منها قلق النفس وإضطرابها .
وحاصل المعنى لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا سببا للقلق والإضطراب والوجل في القلوب ووصف بنيانهم بما وصف للإيذان بكيفية بنائهم له وتأسيسه على ما عليه تأسيسه مما علمت وللإشعار بعلة الحكم وقيل : وصف بذلك للدلالة على أن المراد بالبنيان ماهو المبني حقيقة لاما دبروه من الأمور فإن البناء قد يطلق على تدبير الأمر وتقديره