كما في قولهم كم أبني وتهدم وعليه قوله : متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم وحاصله أن الوصف للتأكيد وفائدته دفع المجاز وهذا نظير ماقالوا في قوله سبحانه : وكلم الله موسى تكليما وفيه بحث .
والإستثناء في قوله تعالى : إلا أن تقطع قلوبهم من أعم الأوقات أو أعم الأحوال وما بعد الا في محل النصب على الظرفية أي لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت الا وقت تقطع قلوبهم أو في كل حال الاحال تقطعها أي تفرقهاوخروجها عن قابلية الإدراك وهذا كناية عن تمكن الريبة في قلوبهم التي هي محل الإدراك وإضمار الشرك بحيث لا يزول منها ما داموا أحياء إلا اذاتقطعت وفرقت وحينئذ تخرج منها الريبة وتزول وهو خارج مخرج التصوير والفرض وقيل : المراد بالتقطع ماهو كائن بالموت من تفرق أجزاء البدن حقيقة وروي ذلك عن بعض السلف وأخرج ابن المنذر وغيره عن أيوب قال : كان عكرمة يقرأ إلا أن تقطع قلوبهم في القبور وقيل : المراد إلا أن يتوبوا ويندموا ندامة عظيمة تفتت قلوبهم وأكبادهم فالتقطع كناية أو مجاز عن شدة الأسف وروى ذلك ابن أبي حاتم عنسفيان وتقطع من التفعل بإحدى التاءين والبناء للفاعل أي تتقطع وقرىء تقطع على بناء المجهول من التفعيل وعلى البناء للفاعل منهعلى أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم أي إلا أن تقطع أنت قلوبهم بالقتل وقرىء على البناء للمفعول من الثلاثي مذكرا ومؤنثا .
وقرأ الحسن إلى أن تقطع على الخطاب وفي قراءة عبدالله ولو قطعت قلوبهم على إسناد الفعل مجهولا إلى قلوبهم وعن طلحة ولو قطعت قلوبهم على خطاب رسول الله E ويصح أن يعنى بالخطاب كل مخاطب وكذا يصح أن يجعل ضمير تقطع مع نصب قلوبهم للريبة والله عليم بجميع الأشياءالتي من جملتها ما ذكر من أحوالهم حكيم 110 في جميع أفعاله التي من جملتها أمره سبحانه الوارد في حقهم .
هذا ومن باب الإشارة في الآيات ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين إشارة إلى وصف المغرورين الذين ما ذاقوا طعم المحبة ولا هب عليهم نسيم العرفان ومن هنا صححوا لأنفسهم أفعالا فقالوا : لنصدقن فلما آتاهم من فضله بخلوا به أي أنهم نقضوا العهد لما ظهر لهم ما سألوه والبخل كما قال أبو حفص : ترك الإايثار عند الحاجة إليه ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم وهو مالا يعلمونه من أنفسهم ونجواهم أي مايعلمونه منها دون الناس وقيل : السر ما يطلع عليه إلا عالم الأسرار والنجوى مايطلع عليه الحفظة وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا أرادوا التثبيط على المؤمنين ببيان بعض شدائد الغزو ومادروا ان المحب يستعذب المر في طلب وصال محبوبه ويرىالحزن سهلا والشدائد لذائذ في ذلك ولا خير فيمن عاقه الحر والبرد ورد عليهم بأنهم آثروا بمخالفتهم النار التي هي أشد حرا ويشبه هؤلاء المنافقين في هذا التثبيط أهل البطالة الذين يثبطون السالكين عن السلوك وفوات اللذائذ الدنيوية لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا باموالهم وأنفسهم فأفنوا كل ذلك في طلب مولاهم جل جلاله وأولئك على الضعفاء أي الذين أضعفهم حمل المحبة ولا على المرضى بداء الصبابة حتى ذابت أجسامهم من باب الإشارة في الآيات