والسيء في أحد الخلطين غيرهما في الخلط الآخر وكلام الزمخشري ظاهر في إتحادهما وفيه مافيه ولذلك رجح ما ذهب إليه السكاكي لكن ماذكره من الإحباط ميل إلى مذهب المعتزلة وإدعى بعضهم أن ما في الآية نوع من البديع يسمى الإحتباك والأصل خلطوا عملا صالحا بآخر سيء وخلطوا شيئا بعمل صالح وهو خلاف الظاهر .
وإستظهر ابن المنير كون الخلط مضمنا معنى العمل والعدول عن الباء لذلك كأنه قيل : عملوا صالحا وآخر سيئا وأنا أختار أن الخلط بمعنى الجميع هنا وإذا إعتبر السياق وسبب النزول يكون المراد من العمل الصالح الإعتراف بالذنوب من التخلف عن الغزو ومامعه من السيء تلك الذنوب أنفسها ويكون المقصود بالجمع المتوجه إليه أولا بالضم هو الإعتراف والتعبير عن ذلك بالخلط للأشارة إلى وقوع ذلك الإعتراف على الوجه الكامل حتى كأنه تخلل الذنوب وغير صفتها وإذا لم يعتبر سبب النزول يجوز أن يراد من العمل الصالح الإعتراف بالذنوب مطلقا ومن السيء الذنوب كذلك وتمام الكلام بحاله ويجوز أن يراد من العمل الصالح والسيء ما صدر من الأعمال الحسنة والسيئة مطلقا ولعل المتوجه إليه أولى على هذا أيضا ليجمع العمل الصالح إذ بضمه يفتح باب الخير ففي الخبر أتبع السيئة بالحسنة تمحها وقد حمل بعضهم الحسنة فيه على مطلقها وأخرج ابن سعد عن الأسود بن قيس قال : لقي الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما يوما حبيب ابن مسلمة فقال : ياحبيب رب مسير لك في غير طاعة الله تعالى فقال : أما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال : بلى ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن قام بك في دنياك فلقد قعد بك في دينك ولو كنت إذ فعلت شرا فعلت خيرا كان ذلك كما قال الله تعالى : خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولكنك كما قال الله تعالى : كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون والتعبير بالخلط حينئذ يمكن أن يكون لما في ذلك من التغيير أيضا وربما يراد بالخلط مطلق الجمع من غير إعتبار أولية في البين والتعبير بالخلط لعله لمجرد الإيذان بالتخلل فإن الجمع لا يقتضيه ويشعر بهذا الحمل ماأخرجه أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال : إني لأستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة كانوا قليلا من الليل مايهجعون يبيتون لربهم سجدا وقياما أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما فلا أراني منهم فأعرض نفسي على هذه الآية ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين إلى قوله سبحانه : نكذب بيوم الدين فأرى القوم مكذبين فلا أراني فيهم فأمر بهذه الآية وآخرون اعترفوا بذنوبهم إلخ وأرجو أن أكون أنا وأنتم ياإخوتاه منهم وكذا ماأخرجاه وغيرهما عن أبي عثمان النهدي قال : مافي القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله سبحانه : وآخرون إلخ والظاهر أنه لم يفهم منها صدور التوبة من هؤلاء الآخرين بل ثبت لهم الحكم المفهوم من قوله سبحانه : عسى الله أن يتوب عليهم مطلقا وإلا فهى وكثير من الآيات التي في هذا الباب سواء وأرجى منها عندي قوله تعالى : قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا والمشهور أن الآية يفهم منها ذلك لأن التوبة من الله سبحانه بمعنى قبول التوبة وهو يقتضي صدورها عنهم فكأنه قيل : وآخرون إعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا عسى إلخ .
وجعل غير واحد الإعتراف دالا على التوبة ولعل ذلك لما بينهما من اللزوم عرفا وقال الشهاب : لأنه توبة إذا إقترن بالندم والعزم على عدم العود وفيه أن هذا قول بالعموم والخصوص وقد ذكر أن العام لا يدل على الخاص بإحدى الدلالات الثلاث وكلمة عسى للأطماع وهو من أكرم الأكرمين إيجاب وأي إيجاب وقوله تعالى :