والرضا بسوء جوار المنافقين ولم يعتذروا بالمعاذير الكاذبة المؤكدة بالأيمان الفاجرة وكانوا على ما أخرج البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عشرة تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك فلما حضر رجوع رسول الله A أوثق سبعة منهم أنفسهم بسوارى المسجد وكان ممر النبي E إذا رجع في المسجد عليهم فلما رآهم قال : من هؤلاء الموثقون أنفسهم قالوا : هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يارسول الله وقد أقسموا أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم فقال رسول الله A : وأنا أقسم بالله تعالى لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم فأنزل الله تعالى الآية فأرسل E اليهم فأطلقهم وعذرهم .
وفي رواية أخرى عنه أنهم كانوا ثلاثة وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد أنهم كانوا ثمانية وروي أنهم كانوا خمسة والروايات متفقة على أن أبا لبابة بن عبدالمنذر منهم خلطوا عملا صالحا خروجا إلى الجهاد مع رسول الله A وءاخر سيئا تخلفا عنه E روي هذا عن الحسن والسدي وعن الكلبي أن الأول التوبة والثاني الإثم وقيل : العمل الصالح يعم جميع البر والطاعة والسيء ماكان ضده والخلط المزيج وهو يستدعي مخلوطا ومخلوطا به والأول هنا هو الأول والثاني هو الثاني عند بعض والواو بمعنى الباء كما نقل عن سيبويه في قولهم : بعت الشاء شاة ودرهما وهو من باب الإستعارة لأن الباء للإلصاق والواو للجمع وهما من واد واحد ونقل شارح الباب عن ابن الحاجب إن أصل المثال بعت الشاء شاة بدرهم أي مع درهم ثم كثر ذلك فأبدلوا من باء المصاحبة واوا فوجب أن يعرب مابعدها بإعراب ماقبلها كما في قولهم : كل رجل وضيعته ولا يخفى مافيه من التكلف وذكر الزمخشري أن كل واحد من المتعاطفين مخلوط ومخلوط به لأن المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر كقولك : خلطت الماء واللبن تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه وفيه ماليس في قولك : خلطت الماء باللبن لأنك جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به وإذا قلته بالواو وجعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما كأنك قلت خلطت الماء باللبن والبن بالماء وحاصله أن المخلوط به في كل واحد من الخلطين هو المخلوط في الآخر لأن الخلط لما إقتضى مخلوطا به فهو أما الآخر أو غيره والثاني منتف بالأصل والقرينة لدلالة سياق الكلام إذا قيل : خلطت هذا وذاك على أن كلا منهما مخلوط ومخلوط به وهو أبلغ من أن يقال خلطت أحدهما بالآخر إذ فيه خلط واحد وفي الواو خلطان .
وإعترض بأن خلط أحدهما بالآخر يستلزم خلط الآخر به ففي كل من الواو والباء خلطان فلا فرق وأجيب بأن الواو الخلطين صريحا بخلاف الباء فالفرق متحقق وفيه تسليم حديث الإستلزام ولا يخفى أن فيه خلطا حيث لم يفرق فيه بين الخلط والإختلاط والحق أن إختلاط أحد الشيئين بالآخر مستلزم لإختلاط الآخر به وأما خلط أحدهما بالآخر فلا يستلزم خلط الآخر به لأن خلط الماء باللبن معناه أن يقصد الماءأولا ويجعل مخلوطا باللبن وظاهر أنه لا يستلزم أن يقصد اللبن أولا بل ينافيه فعلى هذا معنى خلط العمل الصالح بالسيء أنهم أتوا أولا بالصالح ثم إستعقبوه سيئا ومعنى خلط السيء بالصالح أنهم أتوا أولا بالسيء ثم أردفوه بالصالح وإلى هذا يشير كلام السكائي حيث جعل تقدير الآية خلطوا عملا صالحا بسيء وآخر سيئا بصالح أي تارة أطاعوا وأحبطوا الطاعة بكبيرة وأخرى عصوا وتداركوا المعصية بالتوبة وهو ظاهر في أن العمل الصالح