لما هم عليه من شدة الإهتمام بابطال الكفر وإظهار الإخلاص وأمر تعليق العلم هنا كأمر تعليق نفيه فيما مر وإستدل بالآية على أنه لا ينبغي الإقدام على دعوي الأمور الخفية من أعمال القلب ونحوها وقد أخرج عبدالرزاق وابن المنذر وغيرهما عن قتادة أنه قال : مابال أقوام يتكلفون على الناس يقولون فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري لعمرى أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه نبي قال نوح عليه السلام : و ماعلمي بما كانوا يعملون وقال شعيب عليه السلام : وما أنا عليكم بحفيظ وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلّم : لا تعلمهم نحن نعلمهم وهذه الآيات ونحوها أقوى دليل في الرد على من يزعم الكشف والإطلاع على المغيبات بمجرد صفاء القلب وتجرد النفس عن الشواغل وبعضهم يتساهلون في هذا الباب جدا سنعذبهم ولا بد لتحقيق المقتضى فيهم عادة مرتين أخرج ابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قام رسول الله A يوم جمعة خطيبا فقال قم فلان فإخرج فإنك منافق أخرج يافلان فإنك منافق فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يك عمر بن الخطاب شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له فلقيهم وهم يخرجون من المسجد فإختبأ منهم إستحياء أنه لم يشهد الجمعة وظن أن الناس قد إنصرفوا و إختبأوا هم منه وظنوا أنه قد علم بأمرهم فدخل المسجد فإذا الناس لم ينصرقوا فقال له رجل : أبشر ياعمر فقد فضح الله تعالى المنافقين اليوم فهذا العذاب الأول والعذاب الثاني عذاب القبر وفي رواية ابن مردويه عن ابن مسعود الأنصاري أنه A أقام في ذلك اليوم وهو على المنبر وثلاثين رجلا .
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه فسر العذاب مرتين بالجوع والقتل ولعل المراد به خوفه وتوقعه وقيل : هو فرضي إذا أظهروا النفاق وفي رواية أخرى عنه أنهم عذبوا بالجوع مرتين وعن الحسن أن العذاب الأول أخذ الزكاة والثاني عذاب القبر وعن ابن إسحق أن الأول غيظهم من أهل الإسلام والثاني عذاب القبر ولعل تكرير عذابهم لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه .
وجوز أن يراد بالمرتين التكثير كما في قوله تعالى : فارجع البصر كرتين لقوله سبحانه : أو لايرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم يردون يوم القيامة الكبرى إلى عذاب عظيم 101 هو عذاب النار وتغيير الأسلوب على ماقيل بإسناد عذابهم السابق إلى نون العظمة حسب أسناد ماقبله من العلم وأسناد ردهم إلى العذاب اللاحق إلى أنفسهم إيذان بإختلافهما حالا وإن الأول خاص بهم وقوعا وزمانا يتولاه الله سبحانه وتعالى والثاني لعامة الكفرة وقوعا وزمانا وإن إختلفت طبقات عذابهم ولا يخفى أنه إذا فسر العذاب العظيم بعذاب الدرك الأسفل من النار لم يكن شاملا لعامة الكفرة نعم هو شامل لعامة المنافقين فقط وقد يقال إن في بناء يردون لما لم يسم فاعله من التعظيم مافيه فيناسب العذاب العظيم فلذا غير السبك إليه والله تعالى أعلم وءاخرون بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمر الدين ولم يكونوا منافقين على الصحيح وقيل : هم طائفة من المنافقين إلا أنهم وفقوا للتوبة فتاب الله عليهم قيل : وهو مبتدأ خبره جملة خلطوا وهي حال بتقدير قد والخبر جملة عسى الله إلخ والمحققون على أنه معطوف على منافقون أي ومنهم يعني ممن حولكم أو من أهل المدينة قوم آخرون اعترفوا أي أقروا عن معرفة بذنوبهم التي هي تخلفهم عن الغزو وإيثار الدعة عليه