وقوله سبحانه : لا يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر فيه إشارة إلى أن المؤمن إذا سمع بخبر خير طار إليه وأتاه ولو مشيا على رأسه ويديه ولا يفتح فيه فاه بالإستئذان وهل يستأذن في شرب الماء ضمآن .
وقال الواسطي : إن المؤمن الكامل مأذون في سائر أحواله إن قام قام باذن وإن قعد قعد بإذن وإن لله سبحانه عبادا به يقومون وبه يقعدون ومن شأن المحبة إمتثال أمر المحبوب كيفما كان : لو قال تيها قف على جمر الغضى لوقفت ممتثلا ولم أتوقف إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر الخ أي إنما يستأذنك المنافقون رجاء أن لا تأذن لهم بالخروج فيستريحوا من نصب الجهاد ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة فقد قيل : .
لو صح منك الهوى أرشدت للحيل .
ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم إشارة إلى خذلانهم لسوء إستعدادهم وإن جهنم لمحيطة بالكافرين لأن الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة محيطة بهم وهي النار بعينها غاية الأمر إنها ظهرت في هذه النشأة بصورة الأخلاق والأعمال وستظهر في النشأة الأخرى بالصورة الأخرى وقوله تعالى : ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى فيه إشارة إلى حرمانهم لذة طعم العبودية واحتجابهم عن مشاهدة جمال معبودهم وأنهم لم يعلموا أن المصلي يناجي ربه وأن الصلاة معراج العبد إلى مولاه ومن هنا قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة وقال محمد بن الفضل : من لم يعرف الآمر قام إلى الأمر على حد الكسل ومن عرف الآمر قام إلى الأمر على حد الإستغنام والإسترواح ولذا كان E يقول لبلال : أرحنا يا بلال وقوله تعالى : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم فيه تحذير للمؤمنين أن يستحسنوا ما مع أهل الدنيا من الأموال والزينة فيحتجبوا بذلك عن عمل الآخرة ورؤيتها وقد ذكروا أن الناظر إلى الدنيا بعين الإستحسان من حيث الشهوة والنفس والهوى يسقط في ساعته عن مشاهدة أسرار الملكوت وأنوار الجبروت وقوله سبحانه : ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله الخ فيه إرشاد إلى آداب الصادقين والعارفين والمريدين وعلامة الراضي النشاط بما استقبله من الله تعالى والتلذذ بالبلاء فكل ما فعل المحبوب محبوب .
رؤى أعمى أقطع مطروح على التراب يحمد الله تعالى ويشكره فقيل له في ذلك فقال : وعزته وجلاله لو قطعني أربا أربا ماإزددت له إلا حبا ولله تعالى در من قال : أنا راض بالذي ترضونه لكم المنة عفوا وانتقاما ثم إنه سبحانه قسم جوائز فضله على ثمانية أصناف من عباده فقال سبحانه : إنما الصدقات للفقراء الخ والفقراء في قول المتجردون بقلوبهم وأبدانهم عن الكونين والمساكين هم الذين سكنوا إلى جمال الإنس ونور القدس حاضرين في العبودية بنفوسهم غائبين في أنوار الربوبية بقلوبهم فمن رآهم ظنهم بلا قلوب ولم يدر أنها تسرح في رياض جمال المحبوب وأنشد : مساكين أهل العشق ضاعت قلوبهم فهم أنفس عاشوا بغير قلوب والعاملون هم أهل التمكين من العارفين وأهل الإستقامة من الموحدين الذين وقعوا في نور البقاء فأورثهم البسط والإنبساط فيأخذون منه سبحانه ويعطون له وهم خزان خزائن جوده المنفقون على أوليائه قلوبهم معلقة بالله سبحانه لا بغيره من العرش إلى الثرى والمؤلفة قلوبهم هم المريدون السالكون طريق محبته تعالى برقة قلوبهم وصفاء نياتهم وبذلوا مهجهم في سوق شوقه وهم عند الأقوياء ضعفاء الأحوال وفي الرقاب