ومن باب الإشارة في الآيات أن قوله سبحانه لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم الخ إشارة إلى أنه لا ينبغي للعبد أن يحتجب بشيء عن مشاهدة الله تعالى والتوكل عليه ومن إحتجب بشيء وكل إليه ومن هنا قالوا : إستجلاب النصر في الذلة والإفتقار والعجز ولما رأى سبحانه ندم القوم على عجبهم بكثرتهم ردهم إلى ساحة جوده وألبسهم أنوار قربه وأمدهم بجنوده وإليه الإشارة بقوله تعالى : ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين الآية وكانت سكينته E كما قال بعض العارفين من مشاهدة الذات وسكينة المؤمنين من معاينة الصفات ولهم في تعريف السكينة عبارات كثيرة متقاربة المعنى فقيل : هي إستحكام القلب عند جريان حكم الرب بنعت الطمأنينة بخمود آثار البشرية بالكلية والرضا بالبادي من الغيب من غير معارضة واختيار وقيل : هي القرار على بساط الشهود وبشواهد الصحو والتأدب بإقامة صفاء العبودية من غير لحوق مشقة ولا تحرك عرق بمعارضة حكم وقيل : هي المقام مع الله تعالى بفناء الحظوظ والجنود روادف آثار قوة تجلي الحق سبحانه ويقال : هي وفود اليقين وزوائد الإستبصار .
والإشارة في قوله تعالى : إنما المشركون نجس الخ إلى أن من تدنس بالميل إلى السوى وأشرك بعبادة الهوى لا يصلح للحضرة وهل يصلح لبساط القدس إلا المقدس وذكر أبو صالح حمدون أن المشرك في عمله من يحسن ظاهره لملاقاة الناس ومخالطتهم ويظهر للخلق أحسن ما عنده وينظر إلى نفسه بعين الرضا عنها وينجس باطنه بنحو الرياء والسمعة والعجب والحقد ونحو ذلك فالحرم الإلهي حرام على هذا وهيهات هيهات أن يلج الملكوت أو يلج الجمل في سم الخياط وقال بعض العارفين : من فقد طهارة الأسرار بماء التوحيد وبقي في قاذورات الظنون والأوهام فذلك هو المشرك وهو ممنوع عن قربان المساجد التي هي مشاهد القرب وفي الآية إشارة إلى منع الإختلاط مع المشركين وقاس الصوفية أهل الدنيا بهم ومن هنا قال الجنيد : الصوفية أهل غيب لا يدخل فيهم غيرهم وقال بعضهم : من بقي في قلبه نظر إلى غير خالقه لا يجوز أن يدنوا إلى مجالس الأولياء غير مستشف بهم فإن صحبته تشوش خواطرهم وينجس بنفسه أنفاسهم وصحبة المنكر على أولياء الله تعالى تورث فتقا يصعب على الخياط رتقه وتؤثر خرقا يعي الواعظ رقعه ومن الغريب ما يحكى أن الجنيد قدس سره جلس يوما مع خاصة أصحابه وقد أغلق باب المجلس حذرا من الأغيار وشرعوا يذكرون الله تعالى فلم يتم لهم الحضور ولا فتح لهم باب التجلي الذي يعهدونه عند الذكر فتعجبوا من ذلك فقال الجنيد هل معكم منكر حرمنا بسببه فقالوا : لا ثم اجتهدوا في معرفة المانع فلم يجدوا إلا نعلا لمنكر فقال الجنيد : من هنا أوتينا فانظر يرحمك الله تعالى إذا كان هذا حال نعل المنكر فما ظنك به إذا حضر بلحيته .
ثم إنه سبحانه ذم أهل الكتابين بالإحتجاب عن رؤية الحق سبحانه حيث قال جل شأنه : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وفيه إشارة إلى ذم التقليد الصرف وذم البخلاء بقوله سبحانه : والذين يكنزون الذهب والفضة الآية ولعمري إنهم أحقاء بالذم وقد قال بعضهم من بخل بالقليل من ملكه فقد سد على نفسه باب نجاته وفتح عليها طريق هلاكه .
ولا يخفى أن جمع المال وكنزه وعدم الإنفاق لا يكون إلا لإستحكام رذيلة الشح وكل رذيلة كية يعذب بها صاحبها في الآخرة ويخزى بها في الدنيا ولما كانت مادة رسوخ تلك الرذيلة واستحكامها هي ذلك المال كان هو الذي يحمى عليه في نار جهنم الطبيعة وهاوية الهوى فيكوى صاحبه به وخصت هذه الأعضاء لأن